عرض مشاركة واحدة
   
 
قديم 09-27-2012, 07:53 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
قائمة الامـتـيـاز

الصورة الرمزية سيف نجران

إحصائية العضو






 

سيف نجران غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : سيف نجران المنتدى : قبائل نجران
افتراضي

بشير، هو الحارثي، وقيل‏:‏ الكعبي، يكنى‏:‏ أبا عصام، قال أبو نعيم‏:‏ هو بشير بن فديك، وجعل ابن منده‏:‏ بشير بن فديك غير بشير الحارثي أبي عصام، ويرد الكلام عليه في بشير بن فديك، إن شاء الله، له رؤية، ولأبيه صحبة، روى عنه ابنه عصام بن بشير أنه قال‏:‏ ‏"‏وفدني قومي بنو الحارث بن كعب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامهم فدخلت عليه فقال‏:‏ ‏"‏من أين أقبلت‏"‏‏؟‏ قلت‏:‏ أنا وافد قومي بني الحارث بن كعب إليك بالإسلام، فقال‏:‏ ‏"‏مرحباً، ما اسمك‏"‏‏؟‏ قلت‏:‏ اسمي أكير، قال‏:‏ ‏"‏أنت بشير‏"‏‏.‏

هذه قصة جميلة لتنمى المتابعة:

قدم یزید بن عبد المدان و عمر بن معد یكرب ومكشوح المرادي (وجميعهم من و فود مذحج)
على ابن جفنة في الشام (ملوك غسان) زوارا، وعنده وجوه قیس: ملاعب الأسنة عامر بن مالك، ویزید بن عمرو بن الصعق، ودرید بن الصمة.
فقال ابن جفنة لیزید بن عبد المدان: ماذا كان یقول الدیان إذا أصبح فإنه كان دیانا . فقال: كان یقول: آمنت بالذي رفع ھذه یعني السماء ، ووضع ھذه یعني الأرض ، وشق ھذه یعني أصابعه ، ثم یخر ساجدا ویقول: سجد وجھي للذي خلقه وھو عاشم ، وما جشمني من شيء فإني جاشم. فإذا رفع رأسه قال إن تغفر اللھم تغفر جما وأي عبد لك ما ألما.


فقال ابن جفنة: إن ھذا لذو دین.
ثم مال على القیسیین وقال: ألا تحدثوني عن ھذه الریاح: الجنوب والشمال والدبور والصبا والنكباء، لم سمیت بھذه الأسماء؛ فإنه أعیاني علمھا؟
فقال القوم: ھذه أسماء وجدنا العرب علیھا لا نعلم غیر ھذا فیھا.
فضحك یزید بن عبدالمدان
ثم قال: یا خیر الفتیان، ما كنت أحسب أن ھذا یسقط علمه على ھؤلاء وھم أھل الوبر. إن العرب تضرب أبیاتھا في القبلة مطلع الشمس، لتدفئھم في الشتاء وتزول عنھم في الصیف. فما ھب من الریاح عن یمین البیت فھي الجنوب، وما ھب عن شماله فھي الشمال، وما ھب من أمامه فھي الصبا، وما ھب من خلفه فھي الدبور، وما استدار من الریاح بین ھذه الجھات فھي النكباء.
فقال ابن جفنة: إن ھذه للعلم یابن عبد المدان
سأل ابن جفنة القیسیین عن النعمان بن المنذر فعابوه و صغروه.
فنظر ابن جفنة إلى یزید
فقال له: ما تقول یابن عبد المدان؟
فقال یزید : یا خیر الفتیان. لیس صغیرا من منعك العراق، وشركك في الشام، وقیل له: أبیت اللعن. وقیل لك: یا خیر الفتیان، وألفى أباه ملكا كما ألفیت أباك ملكا، فلا یسرك من یغرك؛ فإن ھؤلاء لو سألھم عنك النعمان لقالوا فیك مثل ما قالوا فیه وایم الله ما فیھم رجل إلا ونعمة النعمان عنده عظیمة.
فغضب عامر بن مالك وقال له: یابن الدیان أما والله لتحتلبن بھا دما.
فقال له: ولم؟ أزید في ھوازن من لا أعرفه؟
فقال: لا بل ھم الذین تعرف.
فضحك یزید ثم قال: مالھم جرأة بني الحارث، ولا فتك مراد، ولا بأس زبید، ولا كید جعفي ، ولا مغار طيء. وما ھم ونحن الفتیان بسواء، وما قتلنا أسیرا قط ولا اشتھینا حرة قط، ولا بكینا قتیلا حتى نبئ به. وإن ھؤلاء لیعجزون عن ثأرھم، حتى یقتل السمي بالسمي. والكني بالكني، والجار بالجار.
وقال یزید بن عبد المدان فیما كان بینه وبین القیسیین :شعرا غدا به على ابن جفنة
تمالا على النعمان قوم إلیھم
موارده في ملك ومصادره
على غیر ذنب كان منه إلیھم
سوى أنه جادت علیھم مواطره
فباعدھم من كل شر یخافه
وقربھم من كل خیر یبادره
فظنوا وأعراض الظنون كثیرة
بأن الذي قالوا من الأمر ضائره
فلم ینقصوا بالذي قیل شعرة
ولا فللت أنیابه وأظافره
وللحارث الجفني أعلم بالذي
ینوء به النعمان إن خف طائره
فیا حار كم فیھم لنعمان نعمة
من الفضل والمن الذي أنا ذاكره
ذنوبا عفا عنھا ومالا أفاده
وعظما كسیرا قومته جوابره
ولو سأل عنك العائبین ابن منذر
لقالوا له القول الذي لا یحاوره
قال: فلما سمع ابن جفنة ھذا القول عظم یزید في عینه، وأجلسه معه على سریره، وسقاه بیده، وأعطاه عطیة لم یعطھا أحدا ممن وفد علیه قط.

استشفع جذامي إلى یزید عند ابن جفنة فوھبه له: فلما قرب یزید ركائبه لیرتحل سمع صوتا إلى جانبه، وإذا ھو رجل یقول
أما من شفیع من الزائرین
یحب الثنا زنده ثاقب
یرید ابن جفنة إكرامه
وقد یمسح الضرة الحالب
فینقذني من أظافیره
وإلا فإني غدا ذاھب
فقد قلت یوما على كربة
وفي الشرب في یثرب غالب
ألا لیت غسان في ملكھا
كلخم، وقد یخطئ الشارب
وما في ابن جفنة من سبة
وقد خف حلمي بھا العازب
كأني غریب من الأبعدین
وفي الحلق مني شجا ناشب

فقال یزید:
علي بالرجل، فأتي به. فقال: ما خطبك؟ أنت تقول ھذا الشعر؟ قال: لا بل قاله رجل من جذام جفاه ابن جفنة، وكانت له عند النعمان منزلة، فشرب فقال على شرابه شیئا أنكره علیه ابن جفنة فحبسه، وھو مخرجه غدا فقاتله.
فقال له یزید: أنا أغنیك .
فقال له: ومن أنت حتى أعرفك ؟
فقال: أنا یزید بن عبد المدان.
فقال: أنت لھا وأبیك؟
قال: أجل قد كفیتك أمر صاحبك ، فلا یسمعنك أحد تنشد ھذا الشعر.
وغدا یزید على ابن جفنة لیودعه؛ فقال له: حیاك الله یابن الدیان حاجتك.
قال: تلحق قضاعة الشام بغسان ، وتؤثر من أتاك من وفود مذحج، وتھب لي الجذامي الذي لا شفیع إلا كرمك.
قال: قد فعلت. أما إني حبسته لأھبه لسید أھل ناحیتك، فكنت ذلك السید.
ووھبه له. فاحتمله یزید معه، ولم یزل مجاورا له بنجران في بني الحارث بن كعب. وقال ابن جفنة لأصحابه: ما كانت یمیني لتفي إلا بقتله أو ھبته لرجل من بني الدیان؛ فإن یمیني كانت على ھذین الأمرین. فعظم بذلك یزید في عین أھل الشام ونبه ذكره وشرف.


المســــيحيــــة فــــي نــــجــــران

سلوى بالحاج صالح - العايب


تتفق الدراسات على أن أولى عمليات التبشير الجدية في اليمن المرتكزة على أساس تاريخي صحيح تعود إلى القرن الرابع الميلادي. ويعتمد هذا الرأي على الرواية اليونانية المتعلقة بالأسقف الآريوسي تاوفيل. وتقول هذه الرواية ان الامبراطور قسطنسيون (361-337) المتشيع للآريوسية، ارسل قبل سنة 356 م وفداً من الرومان إلى ملك "حِمْيَر". وكان يترأس هذا الوفد تاوفيل، وخلال فترة وجوده بالمنطقة بشر بالدين المسيحي رغم معارضة الطوائف اليهودية. وشيد ثلاث كنائس، الأولى في حاضرة الحميريين "ظفار"، والثانية في عدن على الساحل حيث كان ينزل البيزنطيون للمتاجرة. والثالثة عند مدخل الخليج العربي في "فرضة" يُحتمل أنها "هرمز".
يؤدي بنا الاعتماد على هذه الرواية إلى بعض الاستنتاجات:
أولاً: دخول المسيحية الآريوسية إلى بلاد اليمن في القرن الرابع الميلادي.
والآريوسية من الطوائف المسيحية الشرقية التي تنسب إلى الكاهن المصري آريوس (توفي سنة 336م) الذي بدأ في نشر آرائه حول طبيعة الابن قبل سنة 320م بقليل في الإسكندرية. ولقد كفّره من أجلها مجمع عقد في الإسكندرية حوالي سنة 320-321م. كان آريوس يقول: "إن الله واحد غير مولود، لا يشاركه شيء في ذاته. فكل ما كان خارجاً عن الله الأحد إنما هو مخلوق. أما "الكلمة" فهو وسط بين الله والعالم. فالكلمة "مخلوق" بل إنه مصنوع، وإذا قيل أنه "مولود" فبمعنى ان الله "تبناه". ويؤدي ذلك غلى أن "الكلمة" غير معصوم طبعاً، ولكن استقامته حفظته من كل خطأ وزلل. فهو دون الله مقاماً". وهكذا فإن هذا المذهب يقوم على إنكار اللاهوت في المسيح وتصوره إنساناً محضاً، مخلوقاً ومهماً وعظيما. ولذلك أجمع الآباء في "نيقيه" على تكفيره وعلى الاعتراف بأن المسيح إله وأنه من جوهر أبيه وأنه مساوٍ للآب في الذات والجوهر. وخرجو بالصيغة العقدية الواضحة التي لم تزل عليها الأجيال المسيحية في سر الثالوث وهي: "إن الله واحد في ثلاثة أقانيم". وما يلفت الانتباه قول "البيروني" إن رأي الآريوسية في المسيح أقرب إلى ما عليه أهل الإسلام.
ثانياً: استناداً إلى بعض المعلومات الواردة في الرواية يمكننا تفسير دخول المسيحية إلى اليمن في هذه المرحلة باتصالها بالتجارة البحرية البيزنطية في البلاد، واتقصارها على السواحل.
ولعله لهذا السبب نتردد في تقييم نتائج هذه الحملة فيما يخص نجاح "تاوفيل" في نشر النصرانية بين عرب اليمن وملوكها خصوصاً وان المسيحية لم تتمكن من الثبات و الصمود أمام تقوي نفوذ اليهودية في تلك الفترة، مما أدى إلى خمود الحركة المسيحية لمدة قرن على الأقل (القرن الخامس الميلادي).
هذا ما تراه المصادر النصرانية اليونانية فيما يتعلق بنشر المسيحية في اليمن. اما المصادر النسطورية فلقها رأي آخر في الموضوع إذ ترجع تاريخ دخول المسيحية إلى نجران إلى بداية القرن الخامس بواسطة تاجر نجراني يدعي "حيّان" أو "حنّان"، كان قد تنصر في الحيرة ثم عاد إلى موطنه وبشّر فيه. إلا أن هذه الروايات لا تشير إلى وجود تنظيم كنسي ملموس بنجران في القرن الخامس الميلادي.
وبالرغم من تشكيك أهل الختصاص في مصداقية الروايات العربية حول جور المسيحية في اليمن ونعتها ب"السقم" و"الغموض" لاحتوائها على عناصر أسطورية لا تنكر، فإن ذلك لا يمنعنا من الاطلاع على هذه الروايات و التدقيق في أخبارها ومعرفة مدى اطلاع الطرف العربي على تاريخ المسيحية في اليمن ونوعية الحجج والأدلة التي يقدمها.
يورد "الطبري" في تاريخه روايتين حول بداية تنصر أهل نجران فحواهما أن مصدر النصرانية في هذه المدينة رجلان واحد يدعى "فيمون" من أهل الشام والآخر أحد أشراف نجران وهو عبدالله بن ثامر. وما يمكن الاحتفاظ به من هذه الروايات هو اسم نجران فهي تدل دلالة واضحة على دخول المسيحية نجران دون غيرها من مناطق اليمن. لكن مقابل ذلك، لا نستطيع استنتاج أي تحديد زمني.
وللأحباش روايات عن انتشار المسيحية في اليمن خلاصتها أن قديساً يدعى "أزقير" أقام كنيسة ورفع الصليب وبشّر بالمسيحية في نجران في النصف الثاني من القرن الخامس. ويتبين من تفاصيل الرواية الحبشية أن القبائل العربية خارج نجران عارضت عملية التبشير المسيحية.
هلك هي أهم الروايات عن بداية نتشار المسيحية في جنوب غرب شبه جزبرة العرب. وهي تؤدي بنا إلى الخروج بعدة ملاحظات، أهمها أن نجران من أقدم المراكز التي عرفت المسيحية في المنطقة. وذلك منذ بداية القرن الخامس وعلى حساب الوثنية واليهودية، لكنها لم تتغلب على اليهودية اذ بقيت مقهورة أما تقوّي هذه الأخيرة.
ومنذ القرن السادس انطلقت الحملات التبشيرية المونوفيزية (ذات الطبيعة الواحدة) في اليمن. إذ تم تعيين أسقف "مونوفيزي" في اليمن يدعى "سيلفانوس" حوالي سنة 500م من قبل الامبراطور "انسطاس" المونوفيزي (491م – 518م). ومن الشواهد على انتشار المونوفيزية في اليمن منذ أوائل القرن السادس اهتمام الآباء المونوفيزيين بأمور كنيسة اليمن مثل مار فيلكسينس المنبجي (توفي في 523م) الذي كتب رسائل عديدة إلى الحميريين وأهل نجران. وما يعقوب السروجي (توفي في 521م) الذي كتب أيضاً رسائل عديدة إلى الحميريين.
وتحق لنا الإشارة في نطاق دراستنا لتطور المسيحية في اليمن إلى اضطهاد الملك اليهودي "ذي نواس" للنصارى هناك. إن مجرد إلقاء نظرة على المصادر المتعلقة بهذا الاضطهاد والدرسات التي اهتمت به، لتبين لنا غموض الاسباب التي دفعت بذي نواس إلى تقتيل نصارى اليمن وخصوصا ًنصارى نجران والضبابية التي أحاطت بهذا الحادث الذي تم على مرحلتين الأولى في سنة 523م والثانية في سنة 524م.
لكن ما يتضح جلياً في هذا الموضوع. أن اضطهاد "ذي نؤاس" شمل مراكز مسيحية عديدة باليمن وهي "ظفار" و"مَخا" و"مأرب" و"نجران". كما شمل مناطق أخرى من جنوب غربي البلاد العربية مثل "حضرموت" و"هجرين". وعن هذا الموضع الأخير يقول ياقوت إن الأمر يتعلق بمدينتين متقابلتين في راس "جبل حصين" بحضرموت يقال للواحدة منهما "خيدون" وللأخرى "دمون". وساكن "خيدون" "الصدف" وساكن "دمون" "بنو الحارث بن عمرو المقصور بن حجر آكل المرار" من "كندة".


كما تجدر الإشارة إلى أن "ذا نواس" ركز على "بني الحارث بن كعب" بنجران في اضطهاده للنصارى. ومما يلفت الانتباه في شأن بني الحارث، الوصية التي تركها الشهيد الحارث بن كعب لعشيرته والتي صرح بها أما النجرانيين وأمام ذي نواس. إذ قال:"أيها المسيحيون والوثنيون واليهود اسمعوا: إذا كفر أحد بالمسيح وعاش مع هذا اليهودي، سواء أكانت زوجتي أم من أبنائي وبناتي أم من جنسي وعشيرتي، فإنه ليس من جنسي ولا من عشيرتي وليس لي أية شركة معه، وليكن كل ما أملكه للكنيسة التي ستُبنى بعدنا في هذه المدنية. وغذا عاشت زوجتي أو أحد أبنائي وبناتي بأية وسيلة كانت، ولم يكفروا بالمسيح، فليكن كل ما أملكه لهم ولنخصص للكنيسة ثلاث قرى من ملكي تختارها الكنيسة نفسها".
وسواء لحق التحريف بهذه الوصية تعمداً أو تناسياً من قبل النقالة، فإن اهميتها تكمن في إثبات تنصر بني الحارث بن كعب وفي فهم أسباب تشبثهم بالمسيحية رغم اضطهاد ذي نؤاس.
ويحق التصريح من ناحية أخرى بأن المسيحية كانت ديانة "الفَرَسانيين" بمدينة "مَخا" و"بني الصدف" و"بني الحارث بن عمرو المقصور بن حجر آكل المرار الكنديين" في "هجرين" بحضرموت. ومن المهم التنبيه إلى أن تنصر الكنديين ظاهرة قديمة تعود إلى عهد تسلطهم على وسط شبه جزيرة العرب وشمالها أي قبل عودتهم إلى موطنهم الأصلي (حضرموت) في النصف الثاني من القرن السادس بقيادة عمرو بن أبي كرب بن قيس بي سلمة بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار.
ولا بد هنا من التمييز بين الأحياء الندية المتنصرة العائدة إلى موطنها في منتصف القرن السادس وبين بطون كندة التي لم تهاجر في الجنوب وكانت قد اعتنقت الديانة اليهودية مثل بين الحارث الأصغر.
فترة التجديد وتغلب العقائد المونوفيزية (525 – 575م)
استولت أثيوبيا على اليمن سنة 525م وقضت على ملكها اليهودي "ذو نواس". ولقد تميز تاريخ المسيحية في اليمن خلال ولاية الحبش عليها بظاهرتين بارزتين: أولهما انتعاش المسيحية وانتشارها من جديد بسرعة كبيرة. وكما يتأكد من النقائش التي تشتمل على صيغ مسيحية صريحة ومن شواهد المصادر العربية على جهود الحبش في سبيل نشر ديانتهم وتدعيمها بين سكان اليمن. فقد أقاموا في "صنعاء"، حاضرة ملكهم، كنيسة عظيمة هي التي عرفها العرب باسم "القلّيس" وذكروها في تواريخهم ووصفوها في كتبهم.
أما الظاهرة الثانية التي تسترعي الانتباه في هذه الفترة من تاريخ المسيحية في اليمن فتخص طبيعة المذهب الذي نشره الأحباش. وهنا يحق التصريح بأن الأمر يتعلق بالمذهب المونوفيزي وبالتحديد اليعقوبي.
كما ظهرت في اليمن خلال القرن السادس فرقة مونوفيزية هرطقية هي فرقة "اليوليانية"، نسبة إلى مؤسسها "يوليانس الهاليكارناسي" أسقف "هاليكارناس" في آسيا الصغرى زمن "ساويرس" بطريرك أنطاكية. ويعود تاريخ نشأة هذه الفرقة إلى سنة 520م. وهي تتميز بالقول بالطبيعة الواحدة في المسيح (الطبيعة الواحدة بعد التجسد مثل بقية المونوفيزيين)، غلا أنها تؤمن "بلا فسادية جسد المسيح". أي أنها تعتبر جسد المسيح غير مائت. لذلك لقب أتباع هذه العقيدة ب Aphthartôlatres أو اليوليانيين.
توجد أقدم الشواهد على دخول اليوليانية إلى بلاد اليمن في التاريخ "السعرتي". فقد جاء فيه أن لاجئين من اليوليانيين هربوا إلى الحيرة في عهد الجاثليق شيلا (توفي في 521م) غير أن النساطرة أجلوهم عنها. ومضى نفر منهم إلى نجران فأقاموا فيها وزرعوا هناك العقيدة اليوليانية. أما ميخائيل الكبير فيؤكد أن العقيدة اليوليانية تمكنت من التأثير على النفوس البسيطة في بلاد البيزنطيين والفرس والحبش والحميريين. كما يخرنا في موضع آخر بإرسال الفرقة اليوليانية حوالي سنة 550م أسقفاً يدعى سرجيوس إلى بلاد حمير وبقي هناك يرعاهم لمدة ثلاث سنوات ثم خلفه أسقف آخر يدعى موسى.
اعتماداً على هذه النصوص، يمكننا التأكيد على وجود طائفة يوليانية عربية منظمة في اليمن منذ منتصف القرن التسادس إلى جانب العقيدة اليعقوبية. فهل بقيت هذه العقائد متغلبة بين صفوف مسيحيي اليمن بعد انتهاء ولاية الحبش بسبب تدخل الفرس وسيطرتهم على البلاد؟
المسيحية في اليمن في عهد الفرس وحتى ظهور الاسلام
انطلق الحكم الفعلي للفرس في اليمن سنة 597م لما نوبّوا عليه حاكماً هو "فهرز". فكيف ستكون علاقتهم بمسيحيي البلاد وموقفهم من العقائد المنتشرة فيها؟
يتبين من خلال تتبع وضعية المسيحية باليمن في عهد الفرس، أن سياستهم تجاه معتنقيها اتسمت بكثير من التسامح. وهو ما يتأكد من استمرار بناء الكنائس بالبلاد، لا سيما بناء كعبة نجران التي لا نستبعد أن تكون كنيسة تحمل تسمية وثنية. إذ لدينا من الحجج ما يؤكد ذلك. من أبز الشواهد على كون كعبة نجران كنيسة تعليق الأصفهاني في كتاب الأغاني على لفظة كعبة الواردة في شعر الأعشى، إذ قال: " والكعبة التي عناها الأعشى ها هنا يقال إنها بيعة بناها بنو عبد المدان على بناء الكعبة وعظموها مضاهاة للكعبة وسموها كعبة نجران، وكان فيها أساقفة يقيمون وهم الذين جاءوا إلى النبي ودعاهم إلى المباهلة". وما يدعم هذا الرأي تسمية ياقوت كعبة نجران في معجمه ب"دير نجران"، وهي تسمية مسيحية واضحة.
وقد نسبت المصادر العربية بناء كعبة نجران إلى أشخاص مسيحيين وهم عبدالمسيح بن دارس بن عدي بن معقل إو إلى صهره يزيد بن عبدالمدان بن الديان الحارثي أحد أعضاء الوفد النجراني الذي قدم إلى الرسول محمد. ومما يدعم فكرة بناء كعبة نجران في عهد الحكم الفارسي باليمن، شهادة أحد الشعراء المعاصرين لعهد الرسول وهو الأعشى، ميمون بن قيس البكري، إذ قال في قصيد له مخاطباً ناقته:
فكعبة نجران حتم عليك
حتى تناخ بابوابها
نزور يزيد وعبدالمسيح
وقيساً هم خير أربابها
أما مسألة تأثير الحكم الفارسي على طبيعة مسيحية اليمن فحولها أكثر من رأي. "فأندري" يقر بسيطرة المسيحية النسطورية على اليمن من مدة ولاية الفرس إلى ظهور الإسلام. وقد قال في هذا الصدد ما تعريبه:" في الفترة التي ظهر فيها محمد، بدت كنيسة جنوب بلاد العرب نسطورية". وهو مدين بهذا الاستنتاج إلى ما أورده ابن العبري في تاريخه عن وجود أسقف نسطوري يدعى "إيشوعيهب" ضمن الوفد النجراني الذي حضر لدى النبي محمد للتفاوض معه. وهو الاسقف المذكور في البلاذري. لكن هنري غريغوار يرفض استنتاج تماماً ويؤكد أن أغلب النجرانيين بقوا يدينون باليوليانية إلى زمن الرسول محمد. وحجته في ذلك أن الجاثليق النسطوري تيموطاوس (780 -823) وجد النجرانيين المطرودين من موطنهم منذ عهد عمر بن الخطاب، والمستقرين بوسط العراق، على مذهب يوليان وسعى إلى إدخالهم في العقيدة النسطورية.
أما نحن فلا ندعي أننا عثرنا على حجة جديدة ترجح أحد الرأيين، لكننا تولينا تحليل النص المتعلق بالوفد النجراني الذي حضر لدى الرسول محمد، لنستقريء، ما جاء فيه من تفاصيل. عسانا نعثر على ما يفيدنا في تحديد مذهب الأسقف وهويته فضلاً عن مذهب أعضاء الوفد النجراني المرافق له.
تقول في هذا الصدد رواية بسند ابن اسحق أن الأسقف "ابا حارثة بن علقمة البكري" كان يلقي المساعدة من ملوك الروم النصارى لبناء الكنائس. وقد بسطو عليه الكرامات لما يبلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم. إن ما يمكن استخلاصه من هذه الرواية أن أبا حارثة كان ملكانياً ولا نستبعد مساعدة البيزنطيين لنصارى نجران من أجل نشر عقيدة مناهضة لسياسة الفرس الدينية القائمة على بث النسطورية. والملاحظ أن هذا الاستنتاج يدعمه قول ثان لابن اسحاق نعرضه حرفياً كما أورده ابن هشام نظراً إلى أهميته:"كانت تسمية الأربعة عشر الذي يؤول إليهم أمرهم: العاقب وهو عبدالمسيح، والسيد وهو الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة البكري أخو بكر بن وائل، وأوس، والحارث، وزيد، وقيس، ويزيد، ونبيه، وخويلد، وعمرو، وخالد، وعبدالله، ويحسن في ستين راكباً. فكلم رسول الله منهم أبو حارثة بن علقمة والعاقب عبدالمسيح والأيهم السيد وهم من النصرانية على دين الملك.
يؤكد هذا النص مرة ثانية انتماء نصارى وفد نجران للمذهب الملكاني (الأرثوذكسية). وهكذا نكاد نوقن بأن نصارى نجران كانوا على ثلاثة أصناف عند مجيء الإسلام. مونوفيزيون (يعاقبة ويوليانيون) وملكانيون ونساطرة. وعلى ظننا أن نساطرة العراق انتهزوا فرصة دخول الفرس اليمن لينشروا هناك عقيدتهم ولعلهم كانوا يبقوا إلى بثها قبل ذلك فعززوها. وربما نجد في توجيه الرسول دعوته إلى أساقفة نجران بالجمع دليلاً على تعدد المذاهب النصرانية هناك.
وتتمثل الظاهرة الثانية التي تميزت بها كنيسة نجران عند ظهور الإسلام في بروز إكليروس محلي. ويكفي للدلالة على وجوده أسماء الاساقفة الذين احتفظت بهم ذاكرة أئمة النسب والمؤرخين وهم: الاسقف إيليا بن ذهل بن عمرو بن عامر بن ماء السماء، وعبدالمسيح بن نهد بن زيد من قضاعة. ويمكن إرجاع تاريخ تكون هذا الإكليروس إلى ما بعد ولاية الأحباش على اليمن، إذ كان أساقفة نجران وشمامستها في عهد اضطهاد النصارى من سكانها أجانب من الحيرة وفارس والحبشة والروم.
لكن ما المغزى من بروز ذلك الإكليروس المحلي؟ هل هو علامة على الاستقلالية عن الكنيسة الأم لا سيما كنيسة مصر و الحيرة والحبشة، أم هو مؤشر على فتور العلاقات بين الكنيسة الأبنة والكنيسة الأم عند ظهور الإسلام؟
نظن أن الاحتمال الثاني هو الأقرب إلى الواقع، غذ كان اليمن في الفترة القريبة من ظهور الإسلام تحت حكم الفرس الذين لا يهمهم كثيراً شأن المسيحية بل ربما ناهضوا تدخل الروم والحبش لأجل تدعيمها في اليمن. وربما جاز القول إن خروج الحبش من اليمن كان سبباً في انعزال المسيحيين فيه عن العالم المسيحي. وقد يكن ذلك سبباً في إضعافهم. وتجدر الإشارة عند هذا المستوى إلى إلى أن تركز النصارى بنجران لا يعني انعدامهم بالمدن اليمنية الأخرى. إذ كانت توجد كنائس في عدن وصنعاء ولاجزر المتخمة للساحل الغربي لليمن كجزيرة الفراسانيين التغالبة النصارى، إلا أن كنيسة نجران كانت أشهرها لعراقتها ونشاطها.
بعد هذا العرض يمكننا أن نخرج با لملاحظات التالية:
أولاً: دخلت المسيحية بلاد اليمن بصورة ثابتة منذ القرن الرابع الميلادي، وتواصل فيها انتشارها على مراحل عديدة خلال القرنين الخامس و السادس.
ثانياً: دخلت المسيحية هذه البلاد عبر خطوط تبشير عديدة انطلقت من سوريا ومن مصر والعراق والحبشة. واخترق بعضها الصحراء العربية وسلك البعض الآخر البحر.
ثالثاً: ارتبط انتشار المسيحية في بلاد اليمن بالعلاقات التجارية والديبلوماسية التي جمعتها بالشام والعراق وبتعرضها للاحتلال الحبشي.
رابعاً: أدى تعدد خطوط التبشير المسيحي في اليمن إلى تعدد أصول المسيحية. فهي يونانية بيزنطية.
خامساً: منيت المسيحية العربية في اليمن وحضرموت با نتكاسات شديدة على يد اليهود، لا سيما في الربع الأول من القرن السادس. ثم تجددت بفضل الحبش. ولم تقع محاولات للقضاء عليها أو مناهضتها مع الفرس لكنها دخلت في عهدهم مرحلة من الجمود والانكماش، وهو ما لاحظناه من خلال تعطل الاتصالات بين مسيحيي اليمن وكنائس مصر والشام والحبشه. وفي ضوء هذه المعطيات يتضح أن المسيحية لم تكن الديانة الأكثر انتشاراً في اليمن عند ظهور الإسلام، عدا في بعض المواطن مثل نجران وصنعاء وعدن.
ولئن كانت الأوضاع السياسية في اليمن مسؤولة عن جمود المسيحية وتوقف نموها، فإن تعدد المذاهب المسيحية والاختلافات بينها هي السبب الأول في عدم نضج الكنائس اليمنية وانصهارها في كنيسة واحدة قوية.

_________________________
المسيحية العربية وتطوراتها ، من نشأتها إلى القرن الرابع الهجري- دار الطليعة - طبعة أولى - بيروت







التوقيع

تحت الانشاء
رد مع اقتباس