الرئيسية التسجيل مكتبي  
للاقتراحات والملاحظات نرجو ارسال رساله واتس اب او رساله قصيره على الرقم 0509505020 الاعلانات الهامه للمنتدى

اعلانات المنتدي

   
.
.:: إعلانات الموقع ::.

قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18

   
 
العودة   ::منتديات بالحارث سيف نجران :: > الأقــســـام الــعـــامــة > تـــاريــخ وأنســــــاب
 
   
تـــاريــخ وأنســــــاب تاريخ وانساب ملوك ورؤساء وامراء وقبائل

إضافة رد
   
 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
   
   
 
قديم 12-25-2010, 04:55 PM رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
الاداره

الصورة الرمزية admin

إحصائية العضو






 

admin غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : admin المنتدى : تـــاريــخ وأنســــــاب
افتراضي

ولا أستبعد إن يكون من بين رجال الدين من الديانتين أناس كانوا على قدر العلم والفهم بأمور التوراة والإنجيل وبالقصص الإسرائيلي والنصراني وعلى شيء من الإلمام بالتاريخ. فقد كان من،بينهم أناس هم من أصل رومي أو سرياني أو عبراني، فليس من المستبعد إن يكون لهم حظ من العلم بالأمور المذكورة أخذوه من كتبهم المكتوبة بلغاتهم ومن دراساتهم لأمور الدين. ومثل هؤلاء لا بد إن يستشهدوا في مواعظهم في "مدراثهم" أو "كنائسهم" في الأماكن التي نزلوا بها من جزيرة العرب، بشيء من قصص التوراة والكتب اليهودية والأناجيل. ودليل ذلك إن معظم القصص الواردة عن الرسل والأنبياء وعن انتشار اليهودية والنصرانية في جزيرة العرب، مصدره أناس من أهل الكتاب، هم من أهل يثرب، أي من يهود المدينة، ومن أهل اليمن، وهو قصص على دلالته على جهل فاضح بأمور اليهودية أو النصرانية، يدل عموما على أنه أخذ من أصل يرجع إلى أهل الكتاب، وقد غطي بقصص وأساطير ساذجة. وهو على بساطته وسذاتجه يصلح إن صحت نسبته إلى من نسب إليهم، إن يكون موضوعا لدراسة مهمة، هي دراسة مقدار علم يهود جزيرة العرب ونصاراها في الجاهلية بأمور دينهم ومقدار جهلهم بأحكام اليهودية أو النصرانية في تلك الأرضين.

(1/130)


--------------------------------------------------------------------------------

ونحن لا نجد في بقية جزيرة العرب توينا للتاريخ، لعدم وجود حكومات منظمة كبيرة فيها، ولسيادة النظام القبلي في أكثر أنحائها، وإنما نجد فيها رواة يروون أخبار قبيلتهم وأمورها وعلاقاتها بالقبائل الأخرى،وحوادثها وأيامها، ورواة تخصصوا برواية الأنساب، لما للنسب من أهمية في المجتمع القبلي، ونجد جماعات تحفظ الشعر وما شاكل ذلك من أمور تخص القبيلة والنظام القبلي، وكل ذلك رواية، أي مشافهة، لا كتابة. ومثل هذا النوع من التوريخ الشفوي معرض كما قلت سابقا لآفات عديدة، أهمها تحكم العواطف القبلية على الرواة وتعرض الخبر للنسيان كلما تقدم العهد به في الذاكرة، وكلما ابتعد به الزمن، إذ تقل حماسة الناس له،ويضعف تأثيره في العواطف، وتفتر عندئذ همم الرواة عن حفظه وبذلك يتعرض للموت والاندثار، ومن هنا اندثرت وضاعت أخبار الجاهلية البعيدة عن الإسلام. أما الجاهلية القريبة من الإسلام، فقد بقي منها ما يشبه ذكريات الطفولة، خلا الأمور التي عاصرت ظهوره، فقد أدركها الصحابة، فكان في إمكانهم تذكرها وروايتها، وانتقلت منهم إلى من جاء بعدهم حتى وصلت إلى المدونين.
ما ذكرته هو أهم أسباب إهمال التاريخ الجاهلي، فجاء ذلك التاريخ لذلك ناقصا حتى على نحو ما نقرأه في المؤلفات العربية القديمة. أما تدوينه مجددا، و إعادة كتابته وتنظيمه وتنسيقه وسد الفجوات الواسعة فيه، فقد تم على هذا النحو:
تدوين التاريخ الجاهلي

(1/131)


--------------------------------------------------------------------------------

للمستشرقين مجهود يقدر في تدوين التاريخ الجاهلي وفي كتابته بأسلوب حديث، يعتمد على المقابلات والمطابقات ونقد الروايات والاستفادة من الموارد العربية والأعجمية. وقد أفادوا مما جاء عن العرب في التوراة وفي التلمود وفي الكتب اليهودية، كما أفادوا مما جاء عن جزيرة العرب وسكانها في الكتابات الاشورية والبايلية ومن الموارد "الكلاسيكية" والمؤلفات النصرانية سريانية ويونانية ولاتينية، فأضافوا كل ما تمكنوا الحصول عليه في هذا الباب إلى ما ورد في الموارد الإسلامية عن الجاهليين، فصححوا وقوموا، وسدوا بهذه المواد بعض الثلم في التاريخ الجاهلي.
وعملهم في بعث الكتابات الجاهلية ونشرها، مشكور مقدر، فقد أعادوا إلى الخط الذي كتبت به الحياة، وجعلوه مقروءا معروفا، وترجموا كثيرا من هذه النصوص إلى لغاتهم، وهي وثائق من الدرجة الأولى، وعملوا على نشر النصوص بالمسند وبالحروف اللاتينية أو العبرانية أو العربية في بعض الأحيان، وعلى استخلاص ما جاء فيها من أمور متنوعة عن التاريخ العربي قبل الإسلام.
وقد أمكننا بفضل هذا المجهود المضني الحصول على أخبار دول وأقوام عربية لم يرد لها ذكر في الموارد الإسلامية،لأن أخبار تلك الدول و أولئك.الأقوام كانت قد انقطعت وطمست قبل الإسلام، فلم تبلغ آهل الأخبار.
وقد ساعدهم في شرح الكتابات الجاهلية وتفسيرها علم بلغات عديدة، مثل اللغة العبرانية والسريانية والبابلية، فإن في هذه اللغات ألفاظا ترد في تلك الكتابات بحكم تقاربها واشتراكها في هذه الثقافة المتقاربة التي نسميها "الرابطة السامية"، كما إن فيها أفكارا وآراء ترد عد المتكلمين بهذه اللغات، ولهذا صار في الإمكان فهم ما ورد في الكتابات الجاهلية بالاستعانة بتلك الأفكار والآراء.

(1/132)


--------------------------------------------------------------------------------

وقد كان للسياح الذين جابوا مواضع متعددة من جزيرة العرب، ولا سيما المنطقة الغربية والجنوبية منها، فضل كبير في بعث الحياة في الكتابات الجاهلية. فقد اخذ أولئك السياح بعض كتابات، كما أخذوا صور بعض آخر، وبفضل تعاونهم مع العلماء المبحرين باللغات الشرقية أمكن حل رموزها وبعث الحياة فيها بعد موت طويل.
وقد كانت أسفار أولئك السياح مغامرات ومجازفات،إذ تعرضت حياة أكثرهم للخطر، بسبب عدم استقرار الأمن إذ ذاك، وبسبب سوء الأوضاع الصحية، ولعدم وجود أماكن مريحة، تناسب حياتهم التي تعودوها، إلا أنهم لم يبالوا ذلك ولم يحفلوا به، وتحايلوا بمختلف الحيل للتغلب على تلك الصعوبات ولكسب ود رؤساء القبائل والحكام لتسهيل مهمتهم.وقد قضى نفر منهم نحبه في أسفاره هذه. وقد كانت اكثر أسفار هؤلاء الرواد أسفارا فردية قام بها أفراد من العلماء ومن الضباط والمغامرين. والأسفار الفردية، مهما كانت، لا تأتي بالنتائج التي تنجم عن دراسات البعثات المتخصصة بمختلف الشؤون، لذلك نتطلع إلى اليوم الذي تتمكن فيه البعثات العلمية الكبيرة من اختراق آفاق بلاد العرب،وتقديم نتائج بحوثها إلى العلماء لتدوين تاريخ مرتب لجزيرة العرب قبل الإسلام، ولا سيما إلى البعثات العلمية العصرية التي تتألف من متخصصين من الناطقين بلغة هذه البلاد، لأن هؤلاء أقدر من غيرهم على فهم اللهجات القديمة ومحتوياتها وروح ذلك التاريخ.
ونستطيع إن نعد السائح الدانماركي "كارستن نيبور Carsten Niebuhr الذي قام في سنة 1761 للميلاد برحلة إلى جزيرة العرب، أول رائد من رواد الغرب ظهر في القرون الحديثة، وصف بلاد العرب، ولفت أنظار العلماء إلى المسند والرقم العربية. وقد أثارت رحلته هذه همم العلماء والسياح، فرحل من بعده عدد منهم لا يتسع المقام لذكرهم جميعا رحلات إلى مختلف أنحاء جزيرة العرب عادت على التاريخ العربي بفوائد جزيلة.

(1/133)


--------------------------------------------------------------------------------

فزار الدكتور "سيتزن" Dr. Seetezen جنوبي بلاد العرب، ويمكن من نقشر صور نصوص عربية جنوبية أرسلها إلى أوروبة عام 1810 م ومنه النصوص على قصرها وغلطها، أفادت في تدوين تاريخ العرب قبل الإسلام إفادة غير مباشرة لأنها لفتت أنظار المستشرقين إليها والى دراسة التاريخ العربي القديم، حتى آل الأمر إلى حل رموز تلك الكتابة ومعرفة حروفها.
وتمكن الرحالة السويسري "ليدويلك بركهارد" Johann Ludwig Burckhard من القيام برحلة إلى الحجاز، فتزيا بزي مسلم اسمه "إبراهيم بن عبد الله" يريد الحج وزيارة مسجد الرسول وقبره. وقد صحب الحجاج في حجهم، ووصف موسم الحج وصفا دقيقا، وكتب عن مكة والمدينة كتابة علمية. وقد زار آثار الأنباط وعاصمتهم "البتراء".
وتمكن ضابط إنكليزي يدعى James R. Wellsted من زيارة الأنحاء الجنوبية من جزيرة العرب، ومن الظفر بصور نصوص عربية قديمة قصيرة، ومن استنساخ كتابة حصن "غراب" التي يرجع تاريخها إلى سنة "640" من تاريخ أهل اليمن، وتوافق سنة 525 للميلاد. وبفضل هذا الضابط عرف المستشرقون هذا النص.
وأضاف الرحالة "هوتن" T.G Hutton عددا آخر من الكتابات الجاهلية سنة 1835 إلى ما كان قد عرف سابقا. وجاء "كروتنون" C ruthenden سنة 1838 م بنقوش أخرى جديدة. وكذلك "الدكتور مكل" Dr. Mackell الذي عاد بخمسة نصوص سبئية، فتوسعت بذلك دوائر البحث قليلا، وتمكن العلماء بفضل هذه النقوش من حل رموز المسند.
وقد قام الصيدلي الفرنسي "توماس يوسف أرنو" " "Thomas Joseph Arnaud" برحلة إلى اليمن، كانت موفقة جدا، إذ تمكن بفضل علمه بالعقاقير، من اكتساب صداقة المشايخ والزعماء. وبهذه الصداقة استطاع إن يتجول في بعض أنحاء اليمن ومدنها، ولم يكن ذلك أمرا ميسورا للغرباء، فزار الجوف و وقف على خرائب "مأرب"، ومكث في مدينة "صنعاء"، أمدا، وزار "صرواح" المدينة الأثرية القديمة، واستنسخ ستة وخمسين نصا كتابيا قديما.

(1/134)


--------------------------------------------------------------------------------

وكتب التوفيق لسائح أوروبي آخر، هو الضابط الإنكليزي "Coghlan"، فحصل في سنة 1860 م على عشرين لوحا برنزيا سليما عز عليها في أنقاض مدينة "عمران". وقد أرشدت هذه الألواح المعدنية المستشرقين إلى ناحية مهمة من نواحي الفن العربي القديم.
وتوصل العلماء، بعد جهود، إلى حل رموز هذه الكتابة العربية، فعرفوا منها - وكان أغلبها قصيرا - إنها تبحث في موضوعات متشابهة، وأنها مؤلفة من حروف أطلقوا عليها اسم "الكتابة الحميرية" أو "الحروف الحميرية". وكان الرأي السائد بادئ بدء إنها كذلك، حتى تبين لهم إن هذه النصوص والنصوص التي جيء بها أخيرا لم تكن جميعها نصوصا حميرية، بل كان بعضها من النصوص المعين به، وبعضها كتابات سبئية ترجع إلى عهد دولة سبا، وبعضها بلهجات أخرى، نختلف عن الحميرية بعض الاختلاف. وهذه الكتابة،هي الكتابة المسماة ب "خط المسند" و ب "القلم المسند" و ب "المسند" في الموارد العربية.

(1/135)


--------------------------------------------------------------------------------

عالج بعض العلماء،ممن أولعوا بدراسة النقوش، تلك النصوص، وأعملوا رأيهم فيها حتى تمكن بعضهم من التوصل إلى حل رموز بعضها، مثل العابر "وليم كسنيوس" "Wilhelm Gisenuis" و العالم "رودكر" "E. Rodiger" والعالم "هاينرش ايوالد" "Heinrich Ewald" والعالم "فريسنل" "F. Fresenal" الذي نشر النصوص التي جاء بها، وعددها خمسة وخمسون نصا بحروف عربية وحميرية، في الجريدة الآسيوية "Journal Asiarique" سنة1845 م، إلا إن نشره لم يكن متقنا اتقانا تاما .وجاء القسيس "أرنست أوسيندر" "Ernest Osiander" فأتم ما كان قد بدئ به. ولم يتمكن العلماء الذين عالجوا مشكلة الكتابة العربية الجنوبية من معرفة الحروف كلها، ولذلك لم يستطيعوا قراءة أكثر النصوص التي جيء بها إلى أوروبة وفهم معناها، كما إن النصوص المقروءة لم تكن مضبوطة ضبطا تاما، فاستطاع هذا العالم بجهوده العظيمة قراءة كل النصوص التي جاء بها السياح والعلماء، وتعيين أشكال الحروف، ووضع أسس متينة لدراسة عرفت بعد ذلك باسم "الدراسة العربية الجنوبية" وقد استعان العلماء على فهم هذه الكتابات بالدراسات اللغوية السامية مثل العبرانية، وباللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، وباللهجات اليمانية و بالمعلومات الجغرافية المدونة في الكتب العربية، وبأسماء الملوك والأشخاص الذين وردت أسماؤهم في المؤلفات العربية.
وترسم المستشرق "ليفي" "M. A. Levy" أثر "اوسيندر" وتتبع أسلوبه في البحث، وحاول استخراج مادة تاريخية من هذه النصوص التي ترجمت وعرفت. وقد يمكن من نشر ما تركه "أسين در" من نصوص عاجلته المنية قبل إن يوفق لإخراجها إلى الناس، فتمكن "ليفي" من تنسيقها وتهذيبها، وطبعها وعرضها على العلماء.

(1/136)







التوقيع

من القلب الى القلب بالحارث سيف نجران

رد مع اقتباس
 
   
   
 
قديم 12-26-2010, 01:04 AM رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
الاداره

الصورة الرمزية admin

إحصائية العضو






 

admin غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : admin المنتدى : تـــاريــخ وأنســــــاب
افتراضي

وفاق "يوسف هاليفي" "Joseph Halevy"، وهو يهودي فرنسي، كل من تقدمه بكثرة ما جاء به إلى أوروبة من نقوش، وبسعة علمه في تاريخ اليمن، وبدراسة الكتابات العربية الجنوبية. دخل هذا الفرنسي اليمن في هيئة يهودي متسول من أهل القدس، ليتجنب بذلك ما يتعرض له الغرباء وأهل البلاد المسلمون على السواء من أخطار رجال القبائل وقطاع الطرق الذين لا يمسون أهل الذمة بسوء.
وقد استطاع، بهذه الطريقة، التطواف في أرجاء اليمن، حتى بلغ أعاليها مثل "نجران"، وأعالي الجوف وهي المنطقة التي كان فيها "المعينيون". ووصل في تطوافه إلى حدود "مأرب" عاصمة سبا والى "صرواح"، وهو بهذا أول أوروبي زار "نجران". ولما عاد إلى أوروبة، أحضر معه "686" نقشا جمعها من مواضع مختلفة من اليمن.
وفي سنة 1872 - 1874 م نشر هذا العالم في الجريدة الآسيوية "Journal Asiarique" ما كتبه في وصف رحلته إلى بلاد اليمن، وقد ضمن كتاباته وصفا للاماكن التي حل بها والطرق التي اجتازها، وترجمة ل "686" نصا، وهي النصوص التي كان قد جاء بها أو استنسخها من أصولها، ونشر بحثا علميا وانتقادا قيما للأبحاث اللغوية والتراجم والنصوص التي سبق إن نشرها العلماء من قبله.
وكان ممن ذهب إلى اليمن شاب نمساوي اسمه "سيكفريد لنكر" "Siegfrid Langer"، وقد استطاع تصوير بعض النقوش واستنساخ قسم من الكتابات في عام 1882 م. غير إن القدر عاجله إذ قتل هناك، ففقد البحث في تاريخ اليمن بوفاته عضوا نشيطا. غير إن نمساويا آخر عوض عن خسارة ذلك الشاب، وهو العالم "ادورد كلاسر" "Eduard Glaser". وقد قام بأربع رحلات إلى اليمن، ورجع بعدد كبير من النصوص والنقوش وبمادة غزيرة من المعلومات.

(1/137)


--------------------------------------------------------------------------------

بدأ الرحلة الأولى "في اكتوبر من سنة 1882م"، وختمها في شهر آذار "مارس" من سنة 1884 م، وكانت الحالة السياسية في ذلك الزمن مضطربة، والأوضاع غير مساعدة، والفوضى عامة في بلاد اليمن، ولم يكن للحكومة على القبائل من سلطان. ومع ذلك تمكن من الحصول على "255" نقشا رجع بها إلى أوروبة. أما الرحلة الثانية، فكانت في نيسان سنة 1885 م ودامت حتى فبراير سنة 1886، وقد زار في أثنائها المناطق الجنوبية الشرقية والمنطقة الجنوبية الممتدة من جنوب "صنعاء" حتى مدينة "عدن". وقد تمكن من جمع معلومات مهمة عن طبغرافية البلاد و أماكنها الاثرية، و عاد بنصوص معينة مهمة دخلت في ممتلكات المتحف البريطاني.
وقام بالرحلة الثالثة في سنة 1887م، و مكث في اليمن إلى سنة 1888م، و كانت رحلته هذه جدا، إذ حصل على اثار و نقوش كتابية كانت على جانب عظيم من الأهمية، منها اربعمئة نص أخذها من مدينة "مأرب" عاصمة "سبأ"، و من هذه النصوص نصان عن تصدع سد مأرب يبرجع عهدهماالى زمن قريب من ميلاد الرسول، و نصوص أخرى من مدينة "صرواح" يرجع عهدها إلى العصر السبئي، و هي ذات أهمية كبيرة في تدوين تأريخ بلاد العرب الجنوبية.

(1/138)


--------------------------------------------------------------------------------

وكانت رحلته الرابعة، وهي الأخيرة، في سنة 1892م، و كانت موفقة جدا كذلك. اق يع فيها أسلوبا جديدا في الحصول على صور النصوص، إذ استعان بالأعراب الذين فرقهم في مختلف الجهات التي لم يسبقه أحد من الأوروبيين إلى زيارتها،بعد إن علمهم مختلف الطرق في الحصول على تلك النصوص بطريق الورق الذي يتأثر بالضوء وبطريقة القوالب الجبسية وبطرق أخرى. وقد تمكن بهذا الأسلوب الجديد من الظفر بصور مضبوطة بعض الضبط للكتابات القديمة التي لم يكن بوسعه الذهاب إلى أماكنها واستنساخها بنفسه،وبها أيضا تمكن من تصحيح أغلاط الصور التي أخذها "هاليفي" عن النقوش الأصلية، ومن الحصول على، زهاء مئة نص قتباني أخذها من منطقة خرائب "مأرب".وفي متحف "فينا" قسم من الأحجار المكتوبة التي كان هذا العالم قد جلبها معه في المرة الأخيرة إلى أوروبا.
وقد زار المستشرق "جورج أغسطس والين George Augustus Wallin" سنة 1845 م نجدا ودون رحلته إليها. وزار الحجاز المستشرق الهولندي الشهير "سنوك هرغونيه Snouk Hurgtonje"، فكتب في أحوال مكة ووصف الحياة في الحجاز وموسم الحج. وكان قد ذهب إليه سنة 1885 -1886 م وهو من العلماء المدققين.
وقد زار الحجاز "السير ريشارد برتن" "Sir Richard Burton" متنكرا بزي مسلم سمى نفسه "عبد الله" زار الحرمين وكتب وصف رحلته هذه.

(1/139)


--------------------------------------------------------------------------------

وتوغلت "حنة بلنت" "Anne Blunet" سنة 1879م في شمال بلاد العرب حتى بلغت أرض نجد، و كانت مولعة بدراسة أحوال الخيول العربية. واخرق الرحالة الإنكليزي "تشارلس دوتي" "Charils M. Doughty" الصحارى العربية وشمال بلاد العرب، ووضع كتابا مهما وصف فيه أسفاره في بلاد العرب الصحراوية. وقد اهتم خاصة بدراسة النواحي "الجيولوجية" والجغرافية للبلاد العربية، ودون ملاحظته عن الظواهر الجوية وتغيرات الجو ولم يغفل عن دراسة طبائع البدو وحياتهم الاجتماعية وطرق تفكيرهم وعقائدهم. وقد طبع كتابه، في سنة 1888، وترجم إلى بعض اللغات الأوروبية لأهميته.
ويعد هذا الرحالة من المتعصبين على الإسلام، وقد يكون لهذا التعصب سبب، فقد لاقى من الأعراب وأهل المتن شيئا كثيرا أثر في نفسه، فصار يتحامل على المسلمين ويقسو في حكمه على الرسول، إلا أنه لم يتمكن مع ذلك من الغض من قيمة المبادئ الأخلاقية التي يتحلى بها. ومما لاحظه على البدو، عدم اهتمامهم بعبادتهم كالصلوات الخمس والصوم، كما لاحظ من جهة أخرى إن الخوف من وجود إله يكاد يكون أعمق آثرا في نفوس هؤلاء من الحضر. ولا حظ أيضا إن جذور الوثنية القديمة لا تزال راسخة حتى الآن في نفوس الأعراب وأكثر سكان القرى والمدن، وقد اظهر هذا الرحالة ميلا عظيما لدراسة حياة البدو وطرق معيشتهم، وهو يتشوق إلى الصحراء ويحن إليها حنين البدو، ويتجلى ذلك العطف في رحلته التي تعد من روائع الأدب الإنكليزي.
ورحل "ثيودور بنت "Theodor Benet" وزوجته إلى البحرين وجنوب الجزيرة العربية فزارا الأماكن الأثرية، وتحدثا عن بعض الخرائب الجاهلية والكتابات. وكانت زيارتهما للبحرين سنة 1889 م. أما زيارتهما لمسقط و عمان و حضرموت، فكانت في هذه السنة ثم سنين بعدها.

(1/140)


--------------------------------------------------------------------------------

و تزيا الرحالة الالماني "هايرنش فون مالتزن" "Heinrich von Malzen" بزي حاج مغربي، وكان قد زار المغرب و تعلم لهجة سكانه، و ذهب إلى الحجاز و تظاهر انه منهم، و بعد عودته من الحج وضع رحلته.
ومن الجوابين العلماء "يوليوس أويتنك Julius Euting"، وقد اهتم خاصة بدراسة أحوال البدو، وكتب في الوهابين والحركة الوهابية.
ومنهم الرحالة الجيكوسلوفاكي الأصل "ألويس موسل" "Alois Musil"، زار "العربية الحجرية" وكتب عدة كتب في وصف شمال الحجاز وبادية الشام ومنطقة الفرات الأوسط وتدمر وفي، ووضع في نهاية كل كتاب من في فصولا علمية قيمة فيها تحقيق تاريخي جليل. وثمة جوابون آخرون لا بد من ذكرهم مثل "جوسن" "Antonine Jaussen" و "برونوف" "R.E. Brunnow" و "تشارلس هوبر" "Charles Huber"5و "وبرترام توماس" الشاب الإنكليزي المستشرق الذي استطاع في شباط سنة 1929 م إن يخترق لأول مرة "الربع الخالي" فكشف بذلك بقعة من أكبر البقاع المجهولة في بلاد العرب. ويضارعه في مخاطراته هذه "فلبي" الذي أسلم فأطلق على نفسه "الحاج عبد الله فلبي". وقد ألف هذا الإنجليزي المستعرب عدة كتب بالإنكليزية وصف فيها أسفاره في بلاد العرب، وقد تهيأ له من الفرص ما لم يتهيأ لأوروبي آخر، إذ كان من الملازمين للملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود والمقربين إليه. وقد مكث الرحالة الألماني "راتجن" "C.. Rathjens" بضع سنين في اليمن وكتب عنها، وجلب معه عدة كتابات يمانية قديمة إلى ألمانيا وضعت في "متحف الشعوب" في مدينة "هامبرغ".

(1/141)


--------------------------------------------------------------------------------

وقامت بعثة أمريكية عرفت ب "المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان" "The American Foundation for Study of Man " برئاسة وندل فيلبس" "Wendell Phillips"، وضمت بعض العلماء الواقفين على تاريخ اليمن القدم مثل "البرايت" "Dr. W. F. Albright" أستاذ الآثار في جامعة "جون هوبكنس" بالولايات المتحدة، وآخرين في مختلف الموضوعات وذلك ما بين سنتي 1950 - 1952 م بأعمال الحفر في منطقة "عدن" واليمن. وبالرغم من النهاية المحزنة التي انتهت أعمال البعثة إليها، فقد تمكنت من الحصول على نتائج حسنة جديدة لم تكن معروفة عن تاريخ مملكة قتبان وسبأ، وعادت ببعض الآثار.
وكانت في جملة ما درسته هذه البعثة نظم الري في مملكة "قتبان". ودراسة موضع "هجر بن حميد"، حيث عثرت على فخار ومواد أخرى يعود عهدها، كما يرى خبراء البعثة إلى ألفي سنة. ودراسة أخرى لمدينة "تمنه" عاصمة "قتبان" ولمعبدها الشهير ولبقايا مقبرتها، وعثرت على كتابات جديدة، وقدرت سقوط تلك العاصمة وخرابها بسنة "25" قبل الميلاد.
وقامت هذه البعثة في سنة "1952 " و "1953" للميلاد بأعمال الحفر في "ظفار" بعمان. ثم عادت فنقبت في هذه المنطقة في ابتداء سنة "1960"م، حيث كشفت عن بعض الخفايا من تاريخ هذه المنطقة التابعة لسلطنة عمان.
وقامت في سنة "1962"م بعثة أمريكة من المستشرقين الأميركيان، لا علاقة لها بالبعثة المتقدمة بزيارة مواضع من المملكة العربية السعودية، فزارت "سكاكة" "سككه" والجوف وتيماء ومدائن صالح والعلا وتبوك، وظفرت بنماذج من فخار قديم، ونقلت صورا لكتابات ثمودية ونبطية، أهمها الكتابات التي وجدها في قمة "جبل غنيم" الذي يقع على مسافة ثمانية أميال من جنوب "تيماء".

(1/142)







التوقيع

من القلب الى القلب بالحارث سيف نجران

رد مع اقتباس
 
   
   
 
قديم 12-26-2010, 01:05 AM رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
الاداره

الصورة الرمزية admin

إحصائية العضو






 

admin غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : admin المنتدى : تـــاريــخ وأنســــــاب
افتراضي

وهي، كما تقول البعثة، من أقدم الكتابات التي عثر عليها حتى ألان في العربية الشمالية. وكان "فلبي" قد استنسخها بيده، وتبين بعد مقارنة ما استنسخه فلبي بالصور "الفوتوغرافية" التي أخذنها البعثة إن في نقل "فلبي" أوهاما عديدة. وفي جملة ما عثرت عليه البعثة صور نحتت على أحجار تمثل آلهة عربية قديمة. وهناك طائفة أخرى من المستشرقين خدمت التاريخ العربي قبل الإسلام خدمة جليلة مهمة، هي طائفة أساتذة الجامعات وأصحاب التتبع والبحوث، استفادت من بحوث السياح ومن الموارد المذكورة التي تحدثت عنها عن مصادر التاريخ الجاهلي، ثم غربلتها ونقدتها وألفت منها مادة جديدة لتاريخ الجاهلية، ومن هؤلاء المستشرق: "بركر" "Berger" مؤلف كتاب "جزيرة العرب قبل محمد في الآثار" "L'Arabie Avant Mahoet d'apers les Inscription"، والمستشرق "كوسان دي برسفال" العلامة الفرنسي صاحب كتاب "تاريخ العرب قبل الإسلام" "Essai sur l'Historia des Arabes Avant l'Islamisme" وهو من الكتب المفيدة. وقد جاء صاحبه بنتائج مهمة وبآراء صائبة في بعض الموضوعات، غير إن الكتاب أصبح قديما، وفيه نواقص كثيرة، وهو لا يتفق اليوم مع أساليب البحث الحديثة. وقد اعتمد مؤلفه على المصادر العربية ولاسيما كتاب "الأغاني" وعلى مصادر أخرى كانت معروفة في ذلك الوقت، غير أنه لم يتمكن من الوصول إلى مصادر كثيرة أخرى مهمة، لأنها لم تكن في متناول يده في ذلك العهد.
وللمستشرق الإيطالي "كيتاني" "L. Ceatani" بحث جيد في تاريخ العرب قبل الإسلام، جعله مقدمة لتاريخ الإسلام. وهو على جهده في محاولة التعمق في فهم تاريخ الجاهلية والإسلام، لا يخلو من هفوات ومن تغلب العاطفة عليه، ولا سيما في القسم الخاص بتاريخ الإسلام.

(1/143)


--------------------------------------------------------------------------------

وممن كتب في حياة العرب قبل الإسلام المستشرق "أوليري Delacy O'Leary"، صاحب كتاب "البلاد العربية قبل محمد". وقد تحدث فيه عن صلات العرب بالمصريين فالآشوريين إلى زمن ظهور الإسلام، وهو لا يخلو أيضا من هفوات. وقد صار قديما. والمستشرق "تشارلس فورستر" "Charles Forster"، وله كتاب مفيد "وان أصبح قديما جدا" في تاريخ بلاد العرب القديمة وجغرافيتها ويستند في أكثر أبحاثه كأغلب معاصريه إلى نظريات التوراة.
وقد كتب المستشرق الألماني "أوتو ويبر" "Otto Weber" رسالة صغيرة في حالة العرب قبل الإسلام. - وقد كتب المستشرقون الذين عنوا بالسيرة النبوية وبالتاريخ الإسلامي عامة فصولا تمهيدية في حالة العرب قبل الإسلام، تعرضوا فيها لمختلف النواحي التاريخية، وهي مفيدة للاطلاع على أحوال الجاهلية.
وهناك من كتب في موضوع خاص من التاريخ الجاهلي كالمستشرق "رينه دوسو"، فقد وضع كتابا في "العرب في الشام قبل الإسلام". والمستشرق الألماني "ثيودور نولدكه"، وله كتاب في "تاريخ الفرس والعرب في عهد الساسانيين"، وكتاب آخر في "أمراء غسان".
وللمستشرق "روتشتاين" "Rothstein" كتاب "تاريخ أسرة اللخميين في الحيرة"، وهو من الكتب المهمة التي جمعت شيئا كثيرا من أخبار هذه الأسرة. وقد استعان مؤلفه بالمصادر العربية والسريانية واليونانية، ولا يخلو على كل حال من الضعف في بعض مواضعه.

(1/144)


--------------------------------------------------------------------------------

ويضاف إلى كل ذلك ما كتبه بعض المستشرقين في الحالة الدينية عند العرب قبل الإسلام، وأهمها كتاب "بركمن" "Bergmann" في اديان العرب في الجاهلية، و الفصل الذي كتبه المستشرق "أرنست أسيندر" "Ernust Osiander" في ديانة العرب قبل الإسلام، في مجلة الجمعية الآسيوية الألمانية. وقد بحث هذا المستشرق في ديانة العرب قبل الإسلام بحثا عميقا، وهو أول مستشرق درس هذا الموضوع بعد "بوكوك" "Pococke" الذي كان اقدم من درس الوثنية عند العرب دراسة تفصيلية مستقلة في كتابه المطبوع سنة 1649 للميلاد. وقد تطرق "أسيندر" لعبادة.النجوم عند العرب وعبادة الأصنام والأماكن المقدسة في جنوبي بلاد العرب وعبادة الأصنام في الحجاز ونجد، وتوصل إلى إن العرب عبدوا النجوم في بادئ الأمر، ثم تطورت الفكرة الدينية عندهم، وبالرغم من ذلك ظلت عقدة عبادة النجوم راسخة في أدمغتهم.
وجاء المستشرق "لودولف كريل" "Ludolf Krehl"، فأحيا هذه الدراسة مرة ثانية بكتابه "بحث عن ديانة العرب قبل الإسلام"، وطرق موضوعات لم يتمكن من سبقه من البحث فيها. وقد ذهب إلى إن للعرب القدماء كانوا من الموحدين في الأصل. غير أنهم تركوا التوحيد بعدئذ، وعمدوا إلى عبادة النجوم والأصنام فالأحجار والأشجار، وبذلك انحطت الحالة الدينية عندهم، وفي القرن السادس تأثروا. بالديانة اليهودية والنصرانية في الأماكن التي حدث فيها اتصال بهاتين الديانتين.
وأهم ما ألف في الوثنية عند العرب قبل الإسلام، كتاب المستشرق الألماني "ولهوزن" الذي سماه: "بقايا الوثنية العربية". وقد بحث في نواح مختلفة من نواحي الحياة الدينية عند عرب الجاهلية وفي الأصنام، فجمع ما لم يتمكن من جمعه في هذا الباب أحد من المستشرقين قبله، واتبع أسلوب المقابلة والنقد في البحث.

(1/145)


--------------------------------------------------------------------------------

هذا ولا بد من الإشارة إلى مجهود عدد من العلماء تخصصوا بالعربيات وعالجوا نواحي عديدة من دراسات الجاهلية، ومنهم "فرتز هومل" "Fritz Hommel" صاحب المؤلفات والبحوث الكثيرة، والدراسات القيمة في تاريخ اليمن والعرب الجنوبيين، وفي ترجمة الكتابات المعينية والسبئية والحضرموتية والقتبانية والحميرية، وفي الدراسات اللغوية. وهو في مقدمة من وضع أسس الدراسات العربية الجنوبية ومهد الجادة لمن جاء بعده من المستشرقين. و "رودوكناكس" "Nikolaus Rhodokanakis"، وهو صاحب جملة مؤلفات في شرح وحل النصوص العربية الجنوبية، و "دتلف نيلسن" "Detlef Nielsen" الدانماركي من الباحثين في الكتابات العربية الجنوبية وفي الحضارة العربية، والتاريخ العربي قبل الإسلام.
كذاك خصص "مورديمن" "J. H. Mordtmann" و "داؤو هاندش ميلر" "D.H. Mueller"، و "ميتوخ" "Eugen Mittwoch"، و "فون فزمن" "von Wissmann"، و "بيستن" "C.F.L. Beeston"، و "كونتي روسيني" "C. Conti Rossini"، و "فنت" "F.V. Winnett"، و "ركمنس" "C. RYckmanns"، و "كر وهمن" "A. Grohmann"، و "ملاكر" "K. Mlaker"، و "أغناطيوس كويدي" "وهربرت كريمه" "Herbert Grimme"، "أنوليتمن" و "البرايت"، وغيرهم قسطا من بحوثهم في العربيات الجنوبية، فساعدوا بذلك على تقديم مادة غنية للمؤرخين والباحثين، وعلى تحسين معارفنا في اللهجات العربية الجنوبية وقواعدها وفي تاريخ الجاهلية.

(1/146)


--------------------------------------------------------------------------------

هذا، ولا بد لي أيضا من الإشارة إلى جهود مستشرقين محدثين قصروا عملهم على البحوث العربية الجنوبية، وصرفوا وقتهم في دراستها، وألفوا وكتبوا فيها، ونشروا بحوثهم في المجلات، ونشروا نشرا جديدا نصوصا سبق إن نشرت، وبعثوا الحياة في نصوص لم تكن معروفة فعرفت. ومن هؤلاء: "فون وزمن" "H. von Wissmann". و "ريكمنس" "J. Ryckmans"، وهو صاحب بحوث وتحقيقات في نشر الكتابات والتعليق عليها وعلى أيام الملوك. و"البرايت" "W.F. Albright" العالم الآثاري الأمريكي الذي ذكرته قبل قليل. و "الأب جامة" "A. Jamme" الذي رافق البعثةة الأمريكية لدراسة الانسان، والخبير بقراءة النصوص وبتعين زمان كتابتها، وناشر جملة كتابات عثرت عليها البعثة المذكورة. و "مارية هوفنر" "M. Honer" و "بيرين" "J. Pirenne" و "بيستن" "A.F.L. Beeston" وغيرهم، ممن جاؤوا ببحوث جديدة وما زالوا يبحثون في التأريخ الجاهلي.
هذا، وسوف يكون لدراسة علماء الآثار للآثار التي عثر وسيعثر عليها من ناحية علم الآثار، وكذلك، تطور الخطوط ومقارنة الكتابات بعض مما ببعض المعرفة زمانها وتحايل الآثار ودراستها بالمختبرات وبطرق "الفحص الكاربوني" و مما شاكل ذلك من طرق تعد اليوم حديثة، شأن كبير في الكشف عن التاريخ الجاهلي، وتقريبه من الواقع، وتضييق شقق الخلاف التي نراها بين العلماء في عمر الدول وفي حكم الملوك وأمثال ذلك من أمور هي اليوم في موضع اهتمام الباحثين في تاريخ الجاهلية.

(1/147)


--------------------------------------------------------------------------------

هذا وأود إن أشير هنا إلى أمر يتعلق بالكتابات الجاهلية، هو إن غالبية من عالجها وترجمها اعتمد في الغالب على العبرانية وعلى السريانية في الترجمة، و لهذا لم يوفقوا في ترجمهم توفيقا كبيرا، واعقد إن دراسة اللهجات العربية لقبائل اليمن وبقية العربية الجنوبية وجمع معاني مفرداتها، تفيد كثيرا في تفسير كتابات المسند وشرحها مثلا، لأن كثيرا من هذه المفردات ما زال مستعمل" استعمال القدماء له. ولكن مثل هذه الدراسات لم تتم بشكل علمي منظم منسق حتى الآن ويا للآسف. ورجائي إن يأتي يوم يقوم فيه المتخصصون من العرب بدراسة تلك اللهجات وتثبيتها بصورة علمية ووضع معجمات بألفاظها، فإن في هذا العمل خدمة كبيرة للتراث العربي القديم.
وقد قام المستشرقون بنصيبهم في كتابة تاريخ الجاهلية، فهم يستحقون على عملهم هذا كل شكر وثناء، مهما وقع في دراستهم من قوة وضعف، وغرض ونية، فهم قد قاموا بعمل، وقد أفادونا في عملهم هذا ولو بعض الفائدة، فعلينا إلا ننكر فضل الناس، وإذا كان هناك شيء من خطا أو نية سيئة، فعلينا يقع واجب تصحيحه وبيان مواطن سوء النية، فهم غرباء، ونحن حملة هذا التاريخ وأصحابه. وعلينا وحدنا يقع واجب تدوينه وانتزاعه من باطن الأرض، والبحث في كل زاوية ومكان لإيجاد مورد جديد نضيفه إلى الموارد الموجودة. وعلى الحكومات العربية واجب إتمام العمل، وتيسير الوسائل التي توصل الباحثين إلى الأماكن التي يقصدها العلماء وحمايتهم ورعايتهم، وواجب إعداد طائفة من المنقبين العرب للقيام بهذه المهمة والإنفاق عليهم بسخاء، وإنشاء متاحف تحفظ فيها العاديات، ومنع، الناس من التجاوز والتطاول على الأماكن الآثارية، ومن أحق بالمحافظة على تراث البلاد من أبنائها?.
الفصل الرابع
جزيرة العرب

(1/148)


--------------------------------------------------------------------------------

ليس بين أشباه الجزر شبه جزيرة تنيف على شبه جزيرة العرب في المساحة، فهي أكبر شبه جزيرة في العالم. ويطلق العلماء العرب عليها تجوزا اسم "جزيرة العرب". تحيط بها. المياه من أطرافها الثلاثة، ومع ذلك لم. يستطع الجو البحري إن يخفف من حدة الحرارة فيها، ويتغلب على جفافها، والأبخرة المتصاعدة من البحر لا تتمكن إن تصل إلى أواسط بلاد العرب، لإنزال رحمتها عليها. فإن الرياح السمائم، وهي ذات الحر الشديد النافذ في المسام، تتلقى الرطوبة التي تنبعث من البحر بوجه كالح عبوس، ومقاومة تسلبها قوتها، وتنتزع الرطوبة منها، وتمنعها في الغالب من الوصول إلى أواسط الجزيرة.
يحد جزيرة العرب من الشرق الخليج العربي المعروف عند اليونان باسم "الخليج الفارسي" "Sinus Percus"، وما زال يعرف بهذه التسمية المأخوذة عن اليونانية في المؤلفات المعاصرة. أما قدماء أهل العراق، فقد عرف عندهم ب "البحر الجنوبي" و "البحر الأسفل" و "البحر التحتاني" "Lower sea"، وب "البحر الذي تشرق منه الشمس" و "بحر الشروق" "Sea fo the Risig Sun" وبي "البحر المر" و "البحر المالح" و "نار مرتو" "Nar Marrtu" في الآشورية.
ويحدها من الجنوب المحيط الهندي، وقد أطلق بعض الكتبة اليونان واللاتين على القسم المتصل منه بسواحل جزيرة العرب الجنوبية والملاصق لسواحل إفريقية الشرقية المقابلة لهذه السواحل اسم "البحر الأريتري" "Mare Erytheaum". أما "بطلميوس" فقد أطلق على الماء المحصور بين عمان وحضرموت اسم "خليج سخاليته" "Sinus Sachalites"، وأطلق على القسم الغربي الباقي اسم "بحر ربرم" "Mare Rubrum" "Rubri Maris"، أي البحر الأحمر. وقد قصد الاغريق واللاتين ب "Mare Rubri" في الغالب البحر الأحمر الحالي والبحر العربي والخليج العربي، بل حتى المحيط الهندي، فهم يتوسعون في هذا الإطلاق كثيرا.

(1/149)







التوقيع

من القلب الى القلب بالحارث سيف نجران

رد مع اقتباس
 
   
   
 
قديم 12-26-2010, 01:06 AM رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
الاداره

الصورة الرمزية admin

إحصائية العضو






 

admin غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : admin المنتدى : تـــاريــخ وأنســــــاب
افتراضي

أما حدها الغربي، فهو البحر الأحمر كما يسمى في الخارطات الحديثة المعروف باسم "الخليج العربي" "Sinus Arabicus" في الخارطات اليونانية واللاتينية، و ب "بحر القلزم" في الكتب العربية. أما العبرانيون، فقد أطلقوا عليه. "ه - يم" "هايم" "اليم"، ومعناه اللغوي: "البحر" من "يم" "يام" بمعنى "بحر" و "ها" أداة التعريف التي هي في مقام "ال" في العبرانية،وذلك بصورة عامة، و "يام سوف Yam Suph" بصورة خاصة، وب "سوف" و "سوفة" أحيانا. وقد فسر "البيضاوي" لفظة "اليم"، الواردة في القرآن الكريم بهذا البحر، أي البحر الأحمر. وقد أريد ب "Mare Rubrum" البحر الأحمر أيضا.
و شكل البحر الأحمر، شكل يلفت النظر، يظهر و كأنه خسط منظم ممتد من الشمال نحو الجنوب على هيأة ثعبان منتصب ذي قرنين. أما باقي جسمه، فإنه البحر العربي. أما هذا الثعبان، فقد كان أرضا في الأصل، خسفت على هذه الصورة في الزمن للثالث من الأزمنة الجيولوجية، فابتعدت بذلك بلاد العرب عن أفريقية، إلا من ناحية الشمال، حتى لا تكون هناك قطيعة تامة، وارتفعت بذلك السواحل الغربية، نتيجة انخساف الأرض، فسالت إلى الأرض المنخسفة مياه البحر العربي، ولو تم الخسف، وامتد إلى "طور سيناء" فشطرها، لما كانت هناك حاجة إلى قيام الإنسان فما بعد بإتمام العمل الذي لم تكمله الطبيعة، وهو إيصال البحر الأحمر إلى البحر الأبيض بقناة السويس.

(1/150)


--------------------------------------------------------------------------------

وهناك من يرى إن البحر الأحمر كان بحيرة في الأصل، وكانت إفريقية والعربية الجنوبية قطعة واحدة عند جنوب هذه البحيرة، أي عند ما يسمى ب "مضيق باب المندب" في الزمن الحاضر، ولكن خسفا وقع، أدى إلى انفصال إفريقية عن العربية الجنوبية الغربية، فاتصل المحيط الهندي بالبحيرة، وتكون البحر الأحمر. وقد كان الناس قبل وقوع هذا الانفصال يتنقلون برا وكأن إفريقية وجزيرة العرب قطعة أرض احدة، ومن هنا كانت الهجرات. أما خليج العقبة، فقد عرف ب "خليج أيلة" و ب "خليج الأيلانيين"، "Sinus Aelanties" "Sinus Aelanticus" في الكتب الكلاسيكية، نسبة إلى مدينة "أيلة" المسماة "ايلات" "Elath" و "ايلوت" "Eloth" عند العبرانيين. وهي مدينة مهمة من مدن "أدوم" "الأدوميين". و أما "خليج السويس" فقد عرف ب "Sinus Heroopolites" " Sinus Heroopoliticus " عند اليونان واللاتين.
ويحصن مناطق و اسعة من ساحل جزيرة العرب على البحر الأحمر صخور مرجانية تفتك بالسفن التي تتجاسر فتتقرب منها، في تلك المواضع لتحمي الساحل من وصول الأجانب إليه. و لكنها أضرت سكانه من ناحية أخرى، إذ جعلت الملاحة صعبة في هذه الأماكن، فقلت بذلك الاستفادة من الاتجار بالبحر، و قللت أيضا من عدد الموانئ الصالحة لرسو السفن على هذا الساحل. و هناك جزر متفرقة تقابل الساحل، أكثرها مهجور، و بعضها قليل السكان، و معظمهم خليط من دم إفريقي أسود ومن عرب، عاشوا في الجاهلية وفي الإسلام على التعرض للسفن بالغزو وعلى الصيد.

(1/151)


--------------------------------------------------------------------------------

ويرى بعض الباحثين إن البحر الأحمر لم يكن وحده نتيجة خسف أصاب بلاد العرب، ففصلها عن إفريقية إلا من جهة "طور سيناء"، بل إن سواحل بلاد العرب الأخرى، أي السواحل الجنوبية والسواحل الشرقية، تعرضت هي أيضا لهزات عديدة، فخسفت في مواضع عديدة مثل "عدن"،حيث تكون خليج عدن، ومثل الخليج العربي، وكانت هذه الهزات والتصدعات استجابة لتصدع واهتزازات حدثت في الشمال على مقربة من حدود بلاد الشام، فامتدت إلى وادي الأردن والبحر الميت فوادي عربة إلى خليج العقبة. وهكذا تعرضت جزيرة العرب في عصور سحيقة في القدم قبل الميلاد لهزات و تحركات أرضية، حتى جعلتها على الشكل الذي نراه عليه ألان.

(1/152)


--------------------------------------------------------------------------------

وحدها الشمالي خط وهمي يمتد في اصطلاح العلماء العرب من خليج العقبة حتى مصب شط العرب في الخليج العربي، فيكون النفوذ الشمالي من الحدود التي تفصل الهلال الخصيب عن جزيرة العرب. أما من الناحية "الجيولوجية"، فإن باطن الهلال وحدة لا يستطيع فصلها عن تربة الجزيرة، وجزء لا يختلف من حيث طبيعته الصحراوية و خواصه عن سائر أنحاء بلاد العرب. وأما من الناحية التاريخية، فإن هذا الخط الوهمي المتصور، هو وهم وخطأ، فقد سكن العرب في شمال هذا الخط قبل الميلاد بمئات السنين. سكنوا في العراق من ضفة نهر الفرات الغربية، و امتدوا في البادية حتى بلغوا أطراف الشام. وسكنوا في فلسطين طور سيناء، حتى بلغوا ضفاف النيل الشرقية. وهي أرضون أدخلها الكتبة القدامى من يونان ولاتين وعبرانيين وسريان في جملة مساكن العرب ودعوها ب "العربية" وب "بلاد العرب"، لأن اغلب سكانها كانوا من العرب، حتى ذهب بعض علماء "التوراة"، إلى إن "بلاد العرب" في التوراة هي مواطن "الإسماعيليين Ishmaelite" و "القطوريين Ksturaean"، أي البوادي التي نزلت بها القبائل المنتسبة إلى "اسماعيل" و "قطورة". وهي قبائل بدوبة، كانت على اتصال بالعبرانيين. وهي بواد تقع شمال جزيرة العرب وفي الأقسام الشمالية منها.
أما "أريي"، أي "العربية" في النصوص الآشورية، و "ماتو أريبي" "Matu-A-re-bi"، أي "أرض العرب" و "بلاد العرب" في النصوص البابلية، و "اربايا "Arabaya" "Arpaya" في النصوص الفارسية، و"بيث عرباية" "Brth Arabaya" في الإرمية، فإنها كلها تعني البادية الواسعة التي تفصل العراق عن بلاد الشام. أما حدودها الجنوبية، فلم تحددها النصوص المذكورة. ولكننا نستطيع إن نقول إن امتدادها كان يتوقف على مبلغ علم تلك لشعوب بالعرب، وعلى المدى الذي وصل إليه تعاملهم في بلاد العرب.

(1/153)


--------------------------------------------------------------------------------

فبلاد العرب أو "ارض العرب" "مت أربي" "Mat Arabi" "Mat Aribi" "، هي بادية الشام أيضا، وهي كل الأرضين التي تحدها جبال "الأمانوس" "Amanus" في الشمال، أي الأرضين التي تقع في جنوبها كل شبه جزيرة سيناء عند "بلينيوس" "P linius". فهن اذن أوسع جدا مما تصوره علماء الجغرافيا المسلمون لجزيرة العرب.
وإذا نظرنا نظرة عامة إلى خارطة جزيرة العرب، نرى أنها أرضون مرتفعة في الغرب، تسيطر على السواحل الضيقة، وتكون سلاسل من المرتفعات متصلا بعضها ببعض، تمتد من بلاد الشام إلى اليمن، ويقال لهذه المرتفعات جبال "السراة". وهي توازي ساحل البحر الأحمر، وتقترب منه في مواضع عديدة. ويبلغ متوسط ارتفاعها زهاء خمسة آلاف قدم. أما أقصى ارتفاع لها، فيبلغ زهاء 12,326 قدما، وهو في اليمن.
و أما الأرضون المحصورة بين هذه السلسلة وساحل البحر، فإنها ضيقة، تسيطر عليها هذه المرتفعات، وتنحدر إليها انحدارا شديدا قصيرا. وسواحلها المهيمنة على البحر، صخرية في اغلب الأحيان، يصعب رسو السفن فيها. وطالما تحطمت عليها السفن المنكوبة، فتكون طعاما للبحر، وللأعراب الساكنين على السواحل، فيكون من ينجو بنفسه من أصحاب تلك السفن وما يتبقى من حطامها ملكا لأولئك الساكنين بحسب عرف أهل ذلك الزمان وعاداتهم.

(1/154)


--------------------------------------------------------------------------------

أما الانحدار إلى البحر العربي والخليج العربي، فانه يكون تدريجيا وطويلا ولذلك تكون الأقسام الغربية من جزيرة العرب أعلى من الأقسام الشرقية. وتتألف الأرضون الوسطى من هضبة تدعى "نجدا"، يبلغ متوسط ارتفاعها زهاء2500 قدم. ويمتد في الأقسام الجنوبية من الجزيرة سلاسل من الجبال،يتفاوت ارتفاعها، تسيطر على المنخفضات الساحلية، وعلى ما يليها من أرضين من جهة البر، وتتصل هذه بسلسلة جبال اليمن، وتكثر فيها الأودية التي تفصل بين السلاسل، وتأخذ مختلف الاتجاهات من الشمال الشرقي أو من الشمال الغربي إلى سواحل البحر، حيث تمثل اتجاهات المياه والسيول. ويكون أعلى ارتفاع لسلسلة الجبال الجنوبية في أقصى الجنوب الشرقي من الجزيرة، أي في عمان، حيث يبلغ ارتفاع الجبل الأخضر زهاء عشرة آلاف قدم.
وتتكون أغلب الأرضين في جزيرة العرب من بواد وسهول، تغلبت عليها الطبيعة الصحراوية، لكن قسما كبيرا منها يمكن إصلاحه إذا ما تعهدته يد الإنسان، واستخدمت في إصلاحه الوسائل العلمية الحديثة. و أما الأرضون الصالحة للزراعة، فإنها تزرع فعلا لوجود المياه فيها. أما الأرضون التي تعد اليوم من المجموعة الصحراوية، فهي:
ا - الحرار، أو الأرضون البركانية
وقد تكونت بفعل البراكين،ويشاهد منها نوعان:نوع يتألف من فجوات البراكين نفسها،ونوع تكون من حممها "اللابة" Lava التي كانت تقذفها، فتسبل إلى الأطراف ثم تبرد وتتفتت بفعل التقلبات الجوية، فتكون ركاما من الحجارة البركانية يغطي الأرض بطبقات، قد تكون سميكة، وقد تكون رقيقة، تتبعثر فيظهر من خلال فجواتها وجه الأرض الأصلية.
وفي مثل هذه الأرضين يصعب السير، لانتشار الحجارة ذات الرؤوس الحادة فيها، وتقل الاستفادة منها، فتتحول شيئا فشيئا إلى مناطق صحراوية، والسائر اليوم في منطقة "اللجاة" في جنوب شرقي دمشق، يلاحظ الطريق الذي سلكته الحمم المقذوفة.

(1/155)


--------------------------------------------------------------------------------

وقد وصف العلماء العرب الحرار،. فقالوا: الحرة أرض ذات حجارة سود نخرة، كأنها أحرقت بالنار، ويكون ما تحتها أرضا غليظة، من قاع ليس بأسود، وانما سودها كثة حجارتها، وتدانيها. وتكون الحرة مستديرة، فإذا فيها شيء مستطيل ليس بواسع، فذلك الكراع، واللابة واللوبة ما اشتد سواده وغلظ وانقاد على وجه الأرض. فيظهر من هذا إن "الحرار" هي أفواه البراكين، ولذلك تكون مستديرة. و أما اللابة أو اللوبة، فإنها المناطق التي غطتها هم البراكين، وسالت فوقها، ثم جفت. و أما الكواع، فإنها أعناق الحرار.
وتكثر الحرار في الأقسام الغربية من جزيرة العرب،وتمتد حتى تتصل بالحرار التي في بلاد للشام، في منطقة حوران، ولا سيما في الصفاة، وتوجد في المناطق الوسطى، وفي المناطق الشرقية الجنوبية من نجد حيث تتجه في الشرق، وفي المناطق الجنوبية والجنوبية الغربية، حيث تلاحظ الحجارة البركانية على مقربة من باب المندب وعند عدن. وقد ذكر علماء للعرب أسماء عدد منها، كما أضاف إليها السياح أسماء عدد آخر ضروا عليها في مناطق ثانية.
وقد وردت في الشعر الجاهلي إشارات إليها. وكانت إحدى الحرار، وهي "حرة النار" في عهد الخليفة عمر لا تزال ثائرة تخرج النار منها. وقد ذكر إن سحب الدخان كانت تخرج في عهد الخليفة عثمان من بعض الجبال القريبة من المدينة. وهذا يدل على إن فعل البراكين في جزيرة العرب، لم يكن قد انقطع انقطاعا تاما، وان باطن الأرض، كان ما زال قلقا، لم يهدأ.

(1/156)


--------------------------------------------------------------------------------

وكان آخر حدث بركاني في الحجاز في سنة 654 للهجرة "1256 م"، إذ ثارت إحدى الحرات في شرقي المدينة، واستمر هيجانها بضعة أسابيع، وقد وصل ماسال من حممها إلى مسافة بضعة كيلومترات فقط من المدينة التي كان نجاتها من الأعاجيب. وكان أواخر القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر الميلاديين عهد زلازل وثوران براكين في مناطق آسية الغربية. ومنذ القرن الثالث عشر الميلادي، لم يبق أثر لفعل البراكين في مختلف أنحاء بلاد العرب.
وقد تركت الأصوات المزعجة، و "الصيحات" المرعبة، والنيران التي كانت ترى من مسافات بعيدة، وسحب الدخان التي كانت ترتفع من أجواف الأرض، و "البريق" الذي كان يظهر من الحرار، مثل حرة "القوس" التي قيل إنها كانت ترى كأنها حريق مشتعل، و "حرة لبن" التي كان يخرج منها ما يشبه البرق، ويسمع منها أصوات كأنها صياح، هذه كلها تركت صورا مرعبة في نفوس الجاهليين، تتجلى في القصص المروية عنها، وفي عقائدهم بتلك النيران.
ولعل قوة نيران "حرة ضروان" وشدة قذفها للحمم وارتفاع لهيبها، هي التي دفعت أهل اليمن إلى التعبد لها والتحاكم إليها، فقد كانوا يذهبون إليها ليتحاكموا عندها فيما يحدث عندهم من خلاف، والرأي عندهم إن النار تخرج فتأكل الظالم وتنصف المظلوم. وقد كانت حرة نشطة عاشت أمدا طويلا كما يظهر من وصف "الهمداني" وغيرها لها، وصلت حممها إلى مسافات بعيدة عن الحرة.

(1/157)


--------------------------------------------------------------------------------

وقد تسببت أكثر هذه الحرار في هلاك كثير ممن كان يسكن في جوارها وفي هجرة الناس من الأرضين التي ظهرت بها، فتحولت إلى مناطق خاوية خالية. وقد وجد السياح أرضين شاسعة واسعة أصيبت بالحرار، وتأثرت بفعل "اللابة" التي سالت عليها. وللناس الحق كل الحق في إرجاع أسباب هلاك أصحابها إلى العذاب الذي نزل بهم بانفجار الأرض وبخروج النيران منها تلتهم الساكنين عندها. وقد جهلوا إن هذه النيران المتقدة الصاعدة والروائح الكريهة المنبعثة عنها، هي من فعل العوامل الأرضية الداخلية التي تعمل سرا في بطن الأرض.
وكثرة الحرار في جزيرة العرب، وانتشارها في مواضع متعددة منها، دليل على إن باطنها كان قد تعرض لامتحانات عسيرة قاسية، ولتقلبات كثيرة ولضغط شديد في المناطق الشمالية والغربية والجنوبية،وقد ظهر أثر ذلك الضغط في وجهها فبان اليوم وكأنه حب الجدري، يتحدث عن ذلك المرض القديم.
وقد اشتهرت بعض مناطق الحرار بالخصب والنماء وبكثرة المياه فيها، ولاسيما حرار الحجاز التي استغلت استغلالا جيدا، ومنها "خيبر"، التي ميزت على سائر القرى، فقيل عها إنها "خير قرى عربية"، غير إن ظهور العيون فيها بكثرة، جعلها موطنا من مواطن الحمى، اشتهر أمرها في الحجاز حتى قيل: "حمى خيبر". واستفاد الجاهليون من الحرار باستخراج الأحجار منها، كأحجار الرحى والمعادن، فكانت موطنا من مواطن التعدين القديمة فيها.
ويدرس علماء طبقات الأرض بعناية بالغة توزيع الحرار في جزيرة العرب، وتقصي أنواع الحجارة التي يكثر وجودها مثل الحجارة الكلسية والغرانيتية والرملية وتوزعها، والينابيع الحارة في الأحساء، لما في هذه الدراسات من أهمية بالنسبة إلى اكتشاف الموارد الطبيعية، والثروات الكامنة في الأرض.

(1/158)







التوقيع

من القلب الى القلب بالحارث سيف نجران

رد مع اقتباس
 
   
   
 
قديم 12-26-2010, 01:09 AM رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
الاداره

الصورة الرمزية admin

إحصائية العضو






 

admin غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : admin المنتدى : تـــاريــخ وأنســــــاب
افتراضي

ويظن إن فعل البراكين كان له أثر خطير في العصور ال "ايوسينية" "Eocene" ، إذ ثارت براكين عديدة في جزيرة العرب وفي الحبشة وفي السواحل الإفريقية المقابلة لجزيرة العرب. وقد أثرت هذه البراكين بالطبع في شكل الأرضين التي ثارت فيها وفي شكل الأرضين القريبة منها، وقد ظهرت براكين فعالة نشيطة في العصور "البليوسينية" "Pliocene" أيضا، أثرت نحللك في شكل سطح الأرض، بأن أحدثت فيها تضاريس، لا تزال آثارها تشاهد حتى الآن ه.
وفي جزيرة العرب عيون وينابيع، تخرج منها مياه حارة. ففي عسير وفي الحجاز وفي اليمن وفي حضرموت وعمان والأحساء والهفوف وفي مواضع اخرى غيرها، مواضع تخرج منها مياه حارة كبريتية في الأكثر، يستشفي بمياهها للناس بالاستحمام. واستثمارها على هذه الصورة وبهذه الكثرة يلفت النظر، وهي من آثار التقلبات الجوفية التي حدثت في جزيرة العرب منذ القدم.
2 -الدهناء
وهي مساحات من الأرضين تعلوها رمال حمر في الغالب، تمتد من النفود في الشمال إلى حضرموت ومهرة في الجنوب، واليمن في الغرب، وعمان في الشرق. وفيها سلاسل من التلال الرملية ذات ارتفاعات مختلفة، تنتقل في الغالب مع الرياح، وتغطي مساحات واسعة من الأرض. ويمكن العثور على المياه في قيعانها اذا حفرت فيها الآبار.

(1/159)


--------------------------------------------------------------------------------

وقد أشير إلى الدهناء في بيت شعر للاعشى هذا نصه: يمرون بالدهناء خفافا عيابهم=ويرجعن من دارين بجر الحقائب وقد تصل الأمطار الموسمية إلى بعض أجزاء "الدهناء" فتنبت فيها الأعشاب، ولكن عمرها فيها قصير اذ سرعان ما تجف وتموت. وقد هجر الناس السكنى في أكثر أقسام الدهناء، لجفاف أكثر أقسام هذه المنطقة الصحراوية الواسعة، وخلوها من الماء والمراعي، ولكثرة هبوب العواصف الرملية فيها، ولشدة حرارتها التي يصعب احتمالها في أثناء النهار، وأقاموا في الأمكنة المرتفعة منها، التي تتوافر فيها المياه، وتتساقط عليها الأمطار، فتنبت الأعشاب، وينتجعها الأعراب. اما الأقسام الجنوبية من الدهناء فيسميها الجغرافيون المحدثون "الربع الخالي" "The Empty Quarter"، لخلوها من الناس، وكانت تعرف ب "مفازة صيهد".
وقد تمكن السائح الإنكليزي "برترام توماس Bertram Thomas "" من اجتيازها في "58" يوما، وهو عمل مجهد شاق، فكان أول أوروبي جرؤ على اجتياز هذه الأرض.
ويطلق على القسم الغربي من الدهناء اسم "الأحقاف" وهو منطقة واسعة من الرمال بها كثبان اقترن اسمها باسم "عاد". "واذكر أخا عاد، إذ أنذر قومه بالأحقاف".

(1/160)


--------------------------------------------------------------------------------

وكشف "برترام توماس" في الربع الخالي بحيرة من المياه الملحة، وبقايا حيوانات مبعثرة، وتبين لدى العلماء إن هذه البحيرة كانت من متفرعات الخليج العربي، وأن من المحتمل إن هذه الأرضين التي تكثر فيها رواسب قيعان البحر، قد كانت في عهدها من المناطق البحرية التي تغمرها مياه المحيط، كما عثر فيه على آثار جاهلية لم يعرف من أمرها شيء حتى الآن، يظهر أنها لأقوام كانت تستوطن هذه المناطق أيام كانت فاتا مياه صالحة للإنبات والخصب. وما زالت حتى اليوم تعد أرضا مجهولة، وإن تحسنت معارفنا عنها كثيرا، بفضل بعض موظفي شركات البترول والباحثين عن المعادن في مختلف أنحاء الجزيرة. وستأتي الاكتشافات الجديدة لها بمعارف قيمة عن تاريخ العرب قبل الإسلام من غير شك.
وتكون "وبار" قسما من الدهناء، وكانت من الأرضين المشهورة بالخصب والنماء، وهي اليوم من المناطق الصحراوية، وبها آثار القرى القديمة التي كانت كثيرة قبل الإسلام. والظاهر أنها كانت مواطن الرباريين، وهم الذين دعاهم "بطلميوس" "Jobariai" الذين سأتحدث عنهم وفي الجهة الشمالية الشرقية من بار، رمال "يرين": وكانت من المناطق المأهولة كذلك، ثم دخلها الحراب
3-النفود
أما النفود، وهو اسم لم يكن يعرفه العرب، فهي صحراء واسعة ذات رمال بيض أو حمر تذروها الرياح فتكون كثبانا مرتفعة،وسلاسل رملية متموجة، تبتدئ من واحة "تيماء"، وتمتد إلى مسافة450 كيلومترا تقريبا نحو الشرق، ويبلغ امتدادها من الجوف إلى جبل شمر زهاء 250 كيلومترا تقريبا. وقد عرفت أيضا ب "الدهناء" و ب "رملة عالج"، ثم تغلب عليها اسم "النفود" وصارت تعرف به.

(1/161)


--------------------------------------------------------------------------------

وتعد النفود من الأماكن المائلة أو المنحدرة، ويظهر من القياسات "وان كانت قليلة جدا"، إن المنطقة الشرقية من النفود أوطأ من مستوى المنطقة الغربية عند خط طول "27" درجة و "30" دقيقة، بما يزيد على150 مترا، أي إن هذه البادية مرتفعة في الغرب، آخذة في الانخفاض والميل في الشرق.
وقد نتج عن هذا الميل والانحدار المتوالي إن الرمال التي كانت الرياح الشمالية أو الشمالية الغربية تحملها، تراكمت في المنخفض، فأصبحت الحدود الغربية والشرقية هذه المنطقة مرتفعة بالنسبة إليها، بحيث صار "الحماد" يشرف عليها اشرافا تاما.
ويغطي وجه "النفود"، كثبان من الرمال متموجة يبلع ارتفاع بعضها زهاء "150" مترا، ولذلك لا يعد سطح بادية النفود سطحا مستويا منبسطا. وتأخذ هذه المرتفعات مختلف الإشكال، فتكون في أغلب الأحيان على شكل نعل الفرس، ويكون اتجاهها من الغرب نحو الشرق، وتكون أبعادها وأعماقها مختلفة، وتسمى "القعور". وقد تركت أثرا عميقا في مخيلة المسافرين ورجال القوافل.
وبعد الأشتية الممطرة تتحول هذه المنطقة الرملية الموحشة إلى جنة حقيقية فتظهر الرمال وكأنها قد فرشت ببسط خضر، يزينها الزهر والشقائق ومختلف الأعشاب الصحراوية، وينتجعها الأعراب للرعي. وقد تنمو فيها النباتات المرتفعة ذات السيقان القوية كبعض أنواع "الغضى"، فتكون أدغالا يحتطب منها البدو، وقد يحرقونها لاستخراج الفحهم منها. هذه الأعشاب والنباتات، لا تظهر إلا في المنطقة ذات الرمال الحمر "نفود سمرا". أما النفود البيضاء المؤلفة من رمال نشأت من تفتت أحجار "الكوارتز" فإنها في أكثر الأماكن غير منبتة.

(1/162)


--------------------------------------------------------------------------------

ولكن هذه الجنة الأرضية جنة قصيرة العمر، لا يدوم عمرها إلا أسابيع قليلة، ثم يحل بها الجفاف، وتهب السمائم، فتقضي على كل ما نبت في هذه البادية، فتبدو كالحة عابسة مزعجة منفرة، وكأن أنسانا كنس وجهها كنسا أزال عنه كل أثر لشلك الجمال. وتهب في شهر نيسان رياح حارة من الشرق والجنوب، ورياح في شهور الصيف، تحرق البادية حرقا، حتى تغدو وكأنها جحيم.
وفي العربية ألفاظ عديدة لها صلة بالبوادي، كثرت وتعددت لاتصال حياة العرب بها، منها ما لها علاقة بشكل البادية وظاهر وجهها، ومنها ما لها علاقة بطبيعتها وبتركيبها، إلى غير ذلك من مصطلحات، نشا بعضها من تعدد لهجات العرب ولغاتها، اذ تسمى قبيلة البادية باسم ربما لا تعرفه قبيلة أخرى، وهكذا تنوعت التسميات.
مصدر الصحارى
واذا سألتني عن مصدر هذه الصحارى المزعجة التي وسمت جزيرة العرب بسمة خاصة، وصيرت معظم أهلها بدوا بالرغم منهم، فأقول لك: إن الرأي المنتشر إن هذه الصحارى تكونت من تفتت الأحجار الرملية بتأثر للرياح والجفاف فيها. ويؤيد وجود مثل هذه الأحجار في الشمال الغربي من بلاد العرب هذا الرأي كئيرا، ويظهر انه رأي علمي ينطبق على بعض الصحارى انطباقا كبيرا، غير أنه لا يحل مشكلة مصدر الرمل الأحمر المتكون من أحجار غير رمليه الذي يغر مساحات واسعة من صحراء النفود، بينما الرمل الناشئ من الأحجار الرملية لا يغطي إلأ مساحات ضيقة بالنسبة إلى المناطق الأخرى. وهذا يدل دلالة مريحة على إن رمال "النفود" لم تتكون من تفتت الأحجار الرملية حسب، بل من عوامل أخرى كالتقلبات الجوية وتأثيرها في قشرة الأرض.

(1/163)


--------------------------------------------------------------------------------

يكون ظاهر التربة الأجرد معرضا لحرارة الشمس والثغرات الجوية مباشرة، إذ لا أشجار تحميه، ولا أعشاب تحافظ على تماسك ذراته وحفظها من تلك التغيرات. فإذا انقطعت الأمطار، جفت التربة، فتفتت تدريجا، وتستطيع الرياح إن تعبث فيها بكل سهولة، وتتمكن الرياح التي سرعتها 18 كيلومترا في الساعة من إثارة الطبقات الرملية الخفيفة والأتربة الباقية المبعثرة على سطح ا لأرض.
وإذا هبت الرياح بسرعة 33 كيلومترا في الساعة، امتلأ الجو بالغبار. فاذا ازدادت السرعة، استحالت إلى عواصف" تؤثر تأثيرا كبيرا في سطح الأرض فتحمل ما عليه من أتربة، وتعرض الطبقات السفلى التي كانت تحت هذه الأتربة لفعل الجو المباشر، ليحدث لها ما حدث في الطبقة التي كانت فوقها، وهكذا تتحول هذه المناطق إلى صحارى، وتتكون الرمال حينئذ من التربة المتفتتة لا من تهشم الأحجار الرملية أو الكلسية وحدها.
وتهب مثل هذه الرياح في الشمال الغربي من جزيرة العرب من نهاية شهر "آذار" مارس حتى نهاية شهر "أيار" مايس، وتهب في أغلب الأحيان هبوبا فجائيا، وتستمر يومين أو ثلاثة أيم وتنتهي في بعض الأحيان برعد وبرق. وعند حدوث هذه الزوابع يغبر الأفق ويكفهر وجه السماء، ثم تهب بعد لحظات عواصف شديدة وأعاصير، تضفي على الجو لونا قائما،وأحيانا مائلا إلى الصفرة أو الحمرة بحسب لون الرمال التي تحملها الرياح، وتختقي الشمس، وتؤثر هذه "العجاجة" في النبات والأشجار تأثيرا كبيرا. واذا استمرت مدة طويلة، سببت تلف قسم كبير من المزروعات في الأماكن المزروعة.
وقد أشار الكتاب اليونان والرومان إلى البادية،كما عرفها العبرانيون. ولكلمة "حويلة Havilah"، ومن معانيها الأرض الرملية، أي تخم بني إسماعيل - وأولادهم وهم البدو - وهذا المدلول علاقة كبيرة بمعنى صحراء. وقد ذهب بعض علماء التوراة إلى إنها تعتي النفود.

(1/164)


--------------------------------------------------------------------------------

وتفصل العراق عن بلاد الشام بادية واسعة، تعرف ب "بادية الشام" أو "البادية"، أو "خساف"، ويقال للقسم الجنوبي منها - وهو القسم الذي بين الكوفة والسماوة من جهة، وبينها وبين الشام من جهة أخرى - "بادية السماوة"، ويسميها العامة "الحماد" أو "حماذ".
الدارات
وفي بلاد العرب "الدارات"، والدارة: كل جوبة بين جبال في حزن كان ذلك أو سهل أو رمل مستدير، في وسطه فجوة، وهي الدوره، وتجمع الدارة على دارات. فهي أرض سهل لينة بيض في أكثر الأحيان، وتنبت فيها الأعشاب والصليان والنباتات الصحراوية، ويبلغ عددها زهاء عشر دارات ومئة.
ولبعض هذه الدارات شهرة، اذ وردت أسماؤها في الشعر الجاهلي والإسلامي، مثل "دارة جلجل"، التي ورد ذكرها في شعر امرئ القيس الكندي. و "دارة الآرام" وكانت مملوءة من شقائق النعمان، كما جاء ذلك في شعر برج بن خنزير المازني الذي كلفه الحجاج بن يوسف حرب الخوارج.
الجبال
تكون سلسلة جبال السرات العمود الفقري لجزيرة العرب، وتصل فقراته بسلسلة جبال بلاد الشام المشرفة على البادية، المتحكمة فيها تحكم الجنود في القلاع. وبعض قمم هذه السلسلة مرتفعة. وقد تتساقط الثلوج عليها كجبل دباغ للذي يرتفع "2,200" متر عن سطح البحر، وجيل وثر وجبل شيبان. وتنخفض هذه السلسلة عند دنوها من مكة، فتكون القمم في أوطأ ارتفاع، ثم تعود بعد ذلك إلى العلو حيث تصل إلى مستوى عال في اليمن حيث تتساقط الثلوج على قمم بعض الجبال.
وتمتد في محاذاة السواحل الجنوبية سلاسل جبلية تتفرع من جبال اليمن، ثم تتجه نحو الشرق إلى أرض عمان، حيث ترتفع قمم الجبل الأخضر ارتفاعا يتراوح من تسعة آلاف قدم إلى عشرة آلاف قدم. وتتخلل هذه السلاسل الجنوبية أودية تمثل اتجاه مسايل الأمطار إلى البحر.

(1/165)


--------------------------------------------------------------------------------

وتفصل بين البحر والسلاسل الجبلية سهول ساحلية ضيقة في الغالب، ربما لا تتجاوز خمسة عشر ميلا عن سواحل البحر الأحمر. وتكون هذه السواحل حارة رطبة في الغالب، يتضايق منها الإنسان، وتكون غير صحية في بعض الأماكن. ويطلق على بعض أقسام التهائم "الغور" و "السافلة"، لانخفاض بقاعها. وقد ذهب بعض العلماء إلى اطلاق تهامة على طول الأغوار الساحلية الممتدة من شبه جزيرة سيناء وبر القلزم إلى الجنوب. وسأتحدث عنها فيما بعد.
وتكون هذه السلاسل مانعا - للأبخرة المتصاعدة من البحر الأحمر والبحر العربي- من وقوع الأمطار في أواسط بلاد العرب وفيما وراء السفوح المرقية للسراة والسفوح الشمالية للسلاسل الجبلية الجنوبية، لذلك كثرت الأودية القصيرة التي تسيل فيها. المياه في هذه المناطق، وزادت فيها إمكانيات الخصب والزراعة عن البقاع التي وراء السراة حتى الخليج.
وفي نجد، وهي هضبة يبلغ ارتفاعها زهاء2500 قدم، منطقة جبلية تتكون من "الغرانيت"، يقال لها جبل "شمر"، وهي من مواضع "طيء" التي اشتهر أمرها قبل الإسلام اشتهارا كبيرا، وقد عرفت قديما بجبلي طيء.
وتتألف من سلسلتين، يقال لإحداهما أجأ، و للأخرى سلمى. وهناك منابع عديدة للمياه في شعاب هذه المسلسلة وفي السهل الكبر المنبسط بينهما. ويمكن الحصول على المياه فيها بوفرة تحت طبقات الرمال والصخور. و أما جبل "طويق" فهو مرتفعات تقع في الوسط الشرقي من نجد وفي جنوب شرقي الرياض، وتتألف من الحجارة الرملية وتحيط بها الصخور والحجارة الكلسية، وتدل البحوث على إن من الصخور والمواد البركانية ما قذفته البراكين إلى هذه الجهات.
الأنهار والأودية

(1/166)


--------------------------------------------------------------------------------

ليس في جزيرة العرب انهار كبيرة بالمعنى المعروف من لفظة نهر مثل نهر دجلة أو الفرات أو النيل، بل فيها أنهار مغيرة أو جعافر. وهي لذلك تعد في جملة الأرضين التي تقل فيها الأنهار والبحيرات، وفي جملة البلاد التي يتغلب عليها الجفاف. ويقل فيها سقوط الأمطار، ولذلك أصبحت أكر بقاعها صحراوية قليلة السكان. غير أنها كثيرة الأودية،تطغى عليها السيول عند سقوط الأمطار، فصير وكأنها طاغية مزبدة. وهي في الغالب طويلة، تسير في اتجاه ميل الأرض. أما الأودية التي تصب في البحر الأحمر أو في البحر العربي، فإنها قصيرة بعض الشيء، وذات مجرى أعمق، وانحدار أشد، والمياه تسيل فيها بسرعة فتجرف ما يعرضها من عوائق، وتنحدر هذه السيول إلى البحر فتضيع فيه، ومن الممكن الاستفادة منها في الأغراض الزراعية والصناعية. وقد تكون السيول خطرا يهدد القوافل والمدن والأملاك، ويأتي على الناس بأفدح الخسائر. وفي كتب المؤلفين الإسلاميين إشارات إلى سيول عارمة جارفة، أضرت بالمدن والقرى والمزارع وبالقوافل والناس، إذ كانت قوية مكنتها من جرف الأبنية والناس، ومن إغراقهم حتى ذكر إن خراب عاصمة اليمامة القديمة كان بفعل السيل، وأن كثيرا من المزارع والأموال هلكت وتلفت بفعل لعب السيول بها لعبا لم تتحمله، فهلكت من هذا المزاح الثقيل.
وليس في استطاعة أحد التحدث عن ملاحة بالمعنى المفهوم من الملاحة في نهيرات جزيرة العرب، وذلك لأن هذه النهيرات أما قصيرة سريعة الجريان منحدرة انحدارا شديدا، و أما ضحلة تجف مياهها في بعض المواسم فلا تصلح في كلتا الحالتين للملاحة. وهي أيضا شحيحة بالثروة الحيوانية، وليس فيها إلا مقادير قليلة من الأسماك.

(1/167)







التوقيع

من القلب الى القلب بالحارث سيف نجران

رد مع اقتباس
 
   
   
 
قديم 12-26-2010, 01:10 AM رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
الاداره

الصورة الرمزية admin

إحصائية العضو






 

admin غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : admin المنتدى : تـــاريــخ وأنســــــاب
افتراضي

وقد ذهب بعض الباحثين إلى إن كثيرا من أودية جزيرة العرب كانت أنهارا في يوم من الأيام. واستدلوا على ذلك بوجود ترسبات في هذه الأودية، هي من نوع الترسبات التي تكون في العادة في قيعان الأنهار، ومن عثور السياح على عاديات وآثار سكن على حافات الأودية. ومن نص بعض الكتبة "الكلاسيكيين" على وجود أنهار في جزيرة العرب. فقد ذكر "هيرودوتس" نهرأ سماه "كورس" زعم انه نهر كبير عظيم، يصب في "البحر الأريتوي"، ويقصد به البحر الأحمر، وزعم إن العرب يذكرون إن ملكهم كان قد عمل ثلاثة أنابيب صنعها من جلود الثيران وغيرها من الحيوانات، امتدت من هذا النهر إلى البادية مسيرة اثنتي عشر يوما، حملت الماء من النهر إلى مواضع منقورة، نقرت لخزن المياه الآتية من ذلك النهر فيها.
وهناك موضع على مقربة من ساحل البحر الأحمر اسمه "قرح" على مسافة 43 كيلومترا من "الحجر" في مكان يمر به خط الحديد الحجازي في منطقة صحراوية، وكان في الأزمنة السابقة من المحلات المزروعة، وبه بساتين عدة تعرف ب "بساتين قرح"، وعلى مقربة منها "سقيا يزيد" أو "قصرعنتر" "إسطبل عنتر"، كما تعرف به في الزمن الحاضر على بعد 98 كيلومترا من المدينة. والى شماله "وادي الحمض" الذي يرى بعض العلماء أنه المكان الذي أراده "هيرودوتس".

(1/168)


--------------------------------------------------------------------------------

وذكر "بطلميوس" نهرا عظيما سماه "لار" Lar، زعم انه ينبع من منطقة "نجران"، أي من الجانب الشرقي من السلسلة الجبلية، ثم يسير نحو الجهة الشمالية الشرقية مخترقا بلاد العرب حيث يصب في الخليج العربي. ولا يعرف من أمر هذا النهر شيء في الزمن الحاضر، ولعله كان واديا من الأودية التي كانت تسيل فيها المياه في بعض المواسم، أو كان بقايا نهر، أثرت في مياهه عوامل الجفاف. ويرى "موريتس" إن هذا النهر الذي أشار إليه "بطليموس"، هو وادي الدواسر، الذي يمس حافة الربع الخالي عند نقطة تبعد زهاء خمسين ميلا من جنوب شرفي السليل، وتمده بعض الأودية المتجهة من سلاسل جبال اليمن بمياه السيول، وتغيض مياهه في الرمال في مواضع عديدة، فتكون بعض الواحات التي يستقى منها، ويزرع عليها. ويلاحظ وجود مياه غزيرة في واديه، في مواضع لا تبعد كثيرا عن القشرة. وهذا مما يحمل على الاعتقاد بوجود مجاري أرضية تحت سطح الوادي، وانه كان في يوم ما نهرا من الأنهار، غير أننا لا نستطيع إن نتكهن في أمر هذا الوادي أكان نهرا جاريا في زمن بطلموس كما أشار إلى ذلك، أو كان واديا رطب القبعان لم تكن عوامل الجفاف قد أثرت فيه أثرها في الزمن الحاضر. لذلك كانت تمكث فيه السيول والأمطار المتساقطة على السفوح الشرقية لجبال اليمن مدة أطول مما هي عليه الآن. والرأي عندي إن هذه الأنهار وأمثالها التي يشير إليها المؤلفون اليونان والرومان، لم تكن في الواقع وبالنسبة إلى ذلك الزمن إلا سيولا" عارمة جارفة سمعوا بأخبارها من تجارهم ومن بعض رجالهم الذين كتب لهم الذهاب إلى بلاد العرب أو اتصلوا بالعرب، فظنوا إنها أنهار عظيمة على نحو ما ذكروه. فلا يعقل وجود الأنهار الكبيرة في ذلك الزمن، إذ كان الجفاف قد أثر تأثيره في إقليم جزيرة العرب قبل ذلك بأمد طويل، فلا مجال لبقاء أنهار على النحو الذي يذكره أولئك الكتاب.

(1/169)


--------------------------------------------------------------------------------

وينطبق هذا الاحتمال على الأودية الأخرى، وهي كما قلت كثيرة، ومنها وادي للرمة ووادي الحمض، ويعد هذان الواديان من الأودية الجافة، إلا في مواسم الأمطار الشديدة حيث تصب السيول فيهما، غير إن لها مجاري أرضية، تشير إلى تلك الحقيقة، ويمكن الحصول على المياه فيهما بحفر الآبار على أعماق ليست بعيدة عن السطح. وقد تظهر على سطح الأرض في بعض المحال، وربما كانا قبل آلاف السنين، أنهارا تجري فيها المياه،فتروي ما عليها من أرضين.
يتكون "وادي الرمة" عند "حرة خيبر" أو "حرة فدك" من التقاء بضعة أودية ممتدة من الشمال على ارتفاع ستة آلاف قدم. ثم تتجه بعد ذلك نحو الشرق ثم تأخذ اتجاها جنوبيا شرقيا حيث تتصل ب "الجرير" أو "الجريب" كما كان يعرف سابقا، و هو من أوسع فروع وادي الرمة. و يتجه هذا الوادي نحو الشرق حيث يصل إلى "بريدة"، ثم ينعطف نحو الشمال الشرقي فالشرق إلى "القصيم" حيث يسمى بعد ذلك "الباطن" "البطن" ثم يتفرع إلى فرعين يخترقان منطقة صحراوية، ويسير أحدهما في "النفوذ" حيث يتصل بالدهناء إلى إن يبلغ موضعا قرب البصرة. ويبلغ طول هذا الوادي زهاء 950 كيلومترا أو أكثر.

(1/170)


--------------------------------------------------------------------------------

و أما مبدأ وادي الحمض أو وادي إضم كما كان يسمى قديما، فمن جنوب حرة خيبر، ثم يتجه نحو الجنوب الغربي إلى إن يصل إلى يثرب حيث تتصل به أودية فرعية أخرى، منها "وادي العقيق"، ويتصل به كذلك "وادي القرى"، ويستمد مياهه من السيول التي تنحدر إليه من الجبال من العيون التي عند خيبر حيث يصب في البحر الأحمر في جنوب قرية الوجه. وعند هذا المصب بقايا قرية يونانية قديمة، وبقايا معبد يعرف عند الأهلين "كصر كريم"، وهو من مخلفات المستعمرات اليونانية القديمة التي كان الملاحون والتجار اليونانيون قد أقاموها عند ساحل البحر الأحمر لحماية سفنهم من القرصانة وللاتجار مع الأعراب، ولتموين رجال القوافل البحرية بما يحتاجون إليه من ماء وزاد. و يعتقد "موريتس" إن هذا الموضع هو محل مدينة "لويكه كومه" "Leuke Kome" المشهورة التي وصل إليها "أوليوس كالوس" لما هم بفتح اليمن، على حين يرى آخرون إن هذه المدينة هي في المحل المعروف باسم "الحوراء". ويبلغ طول وادي الحمض زهاء 900 كيلومتر.
وهناك "وادي حنيفة" وهو من الأودية المهمة كذاك، يبتدئ من غرب "جبل طويق" ثم يتجه نحو الشرق نحو الخليج العربي، وهو مهم، ويمكن الحصول على المياه فيه بطريقة حفر الآبار، لأن الماء غير بعيد عن قاعه. و أما عند هطول الأمطار، فإن المياه تجري إليه من السفوح فتسيل فيه.
ولقلة المياه في بلاد العرب، انحصرت الزراعة فيها في الأماكن التي حبتها الطبيعة بمواسم تتساقط فيها الأمطار مثل العربية الجنوبية، وفي الأماكن التي ظهرت فيها عون وينابيع، مثل وادي القرى في الحجاز، والأحساء على الخليج العربي. وفي الأودية والأماكن التي تكثر فيها المياه الجوفية، حيث استنبطت المياه منها بحفر الآبار. والزراعة في هذه الأماكن -باستثناء العربية الجنوبية- هي زراعة محدودة، حدودها ضيقة، وآفاقها غير بعيدة، و ناتجها قليل لا يكفي لإعاشة كل السكان.

(1/171)


--------------------------------------------------------------------------------

و قد لزمت سكان الأرضين التي تغيث السماء أرضهم، بإنزال الغيث عليها، الاستفادة. من الأمطار المنهمرة،يحصرها وتوجيهها إلى مخازن تخزنها لوقت الحاجة، وذلك بإنشاء السدود و إقامة الخزانات ذوات أبواب تفتح وتغلق لتوجيه المياه الوجهة التي يريدها الإنسان. وقد أقيمت هذه السدود في مواضع متناثرة من جزيرة العرب، خاصة في الأماكن التي يركبها المطر مثل العربية الجنوبية والعربية الغربية. وتشاهد اليوم آثار سدود جاهلية استعملها الجاهليون للاستفادة من مياه الأمطار.
ولما كانت الأمطار رحمة ونعمة كبرى، إذا انحبست نفقت إبل العرب ومواشيهم، صار انحباسها نقمة وهلاكا، وعدوا انحباسها عنهم غضبا من الآلهة ينزل بهم، ولهذا كان الجاهليون يتضرعون إلى آلهتهم ويتقربون إليها، إن تنزل عليهم الغيث، ولهم في ذلك صلوات وأدعية- للاستسقاء سيأتي الحديث عنها في باب الدين عند الجاهليين.
وعلى خلاف العيون الحارة التي هي من آثار التفاعلات البركانية والتفاعلات الباطنية. الكيماوية، فان في بلاد العرب عيون وينابيع وواحات، صارت موطنا للزراع والزرع. وبعض، هذه العيون، تتدفق من الجبال والهضاب وبعد مجرى قصير تعود فتدخل باطن الأرض كما هو الحال في أرض "مدين". وهنالك عيون تتوقف حياتها على المطر. وقد استفاد الجاهليون من بعض العيون والينابيع فربطوها بكهاريز وبقنوات تجري فيها المياه تحت سطح الأرض الى بيوتهم ومزارعهم دون إن تتعرض للتبخر الزائد: فتفقد كميات كبيرة من المياه تذهب هباء. وقد عثر على شبكات منها في عمان وفي وادي فاطمة بالحجاز وفي اليمن.
أقسام بلاد العرب
قسم اليونان و اللاتين جزيرة العرب إلى أقسام ثلاثة: ا - العربية السعيدة Arabia Felix.
2 - العربية الصخرية، وترجمت بالعربية الحجرية كذلك "Arabia Petreae".
3 - العربية الصحراوية Arabia Deserta.

(1/172)


--------------------------------------------------------------------------------

وهو تقسيم يتفق مع الناحية السياسية التي كانت عليها البلاد العربية في القرن الأول للميلاد. فالقسم الأول مستقل، والقسم الثاني قريب من الرومان ثم أصبح تحت نفوذهم، و أما القسم الثالث فهو البادية إلى نهر الفرات.
وقد أشير إلى العربية السعيدة والعربية الصحراوية في الموارد "الكلاسيكية" القديمة مثل جغرافية "سترابون". ويرى بعض العلماء إن القسس الآخر وهو "العربية الصخرية" Arabia Petreae هو من إضافة "بطلميوس" العالم الجغرافي الشهير، وقد قصد به برية شبه جزيرة سيناء وما يتصل بها من فلسطين إلى الأردن. فهو في رأي هؤلاء أحدث عهدا في التسمية من التسميتين الأخريين. ولم يأخذ الجغرافيون العرب بالتقسيم "الكلاسيكي"، مع أنهم وقفوا على بعض مؤلفاتهم، كجغرافية بطليموس. إلا إن جزيرة العرب عندهم، هي "العربية السعيدة" في اصطلاح أكثر الكتبة اليونان واللاتين.
العربية السعيدة Arabia Felix
أما العربية السعيدة، ويقال لها "Arabia Beata" و "Arabia Eudaimon" في اليونانية، فهي أكثر الأقسام الثلاثة رقعة، وتشمل كل المناطق التي يقال لها جزيرة العرب في الكتب العربية كما يفهم من بعض المؤلفات، وليست لها حدود شمالية ثابتة، لأنها كانت تتبدل وتتغير على حسب الأوضاع السياسية. ولكن يمكن القول إنها تبدأ في رأي أكثر الكتاب اليونان والرومان من مدينة "هيروبوليس" "Heropolis" على مقربة من مدينة السويس الحالية، ثم تساير حدود العربية الحجرية الجنوبية، ثم تخترق الصحراء حتى تتصل بمناطق الأهوار "اهوار كلدبا" عند موضع "Thapsacus". وقد أدخل بعض الكتاب هذه الأهوار في جملة العربية السعيدة، وجعلها بعضهم خارجة عنها بحيث يمر خط الحدود في جنوبها إلى إن تتصل بمصب شط العرب في الخليج.
وعرفت البادية الواسعة التي هي جزء من النفوذ والتي تمر بها حدود العربية السعيدة الشمالية، باسم "Eremos" عند اليونان، وهي امتداد لبادية الشام.
العربية للصحراوية

(1/173)


--------------------------------------------------------------------------------

ويقال لها في اليونانية "Arabia Eremos". أما حدودها، فلم يعينها الكتاب اليونان واللاتين تعيين أ دقيقا. ويفهم من مؤلفاتهم أنهم يقصدون بها البادية الواسعة الفاصلة بين العراق والشام، أي البادية المعروفة عندنا ب "بادية الشام". ويكون نهر الفرات الحدود الشرقية لها إلى ملتقى الحدود بالعربية السعيدة. و أما الحدود الشمالية، فغير ثابتة، بل كانت تتبدل بحسب الأوضاع السياسية. و أما الحدود للغربية، فكانت تتبدل وتتغير كذلك، ويمكن إن يقال بصورة عامة إن حدودها هي المناطق الصحراوية التي تصاقب الأرضين الزراعية لبلاد الشام. فما كان بعيدا عن إمكانيات الرومان واليونان ومتناول جيوشهم، عد من العربية الصحراوية.
ويفهم من العربية الصحراوية أحيانا "بادية السماوة"، وقد يجعلون حدودهاعلى مقربة من بحيرة النجف، أي في حدود الحيرة القديمة، حيث بدا "بطائح كلدية" التي كانت تشغل إذ ذاك مساحة واسعة من جنوب العراق. وعرفت عند بطليموس بإسم "Amardocaea"، وهي تمتد حتى تتصل ببطائح "Maisanios Kolpos" أو "خليج مسنيوس" "خيلج ميسان"، الذي يكون امتداد الخليج العربي "Persikos Kolpos". وكل ما وقع جنوب ذلك الخط الوهمي، عد في العربية السعيدة.
وقد فهم "ديودورس" من "العربية الصحراوية" المناطق الصحراوية التي تسكنها القبائل المتبدية، وتقع في شمالها وفي شمالها الشرقي في نظره أرض مملكة "تدمر". و أما حدها الشمالي الغربي والغربي حتى ملتقاها بالعربية الحجرية، فتدخل في جملة بلاد الشام. و أما حدودها الشرقية، فتضرب في البادية إلى الفرات. فأراد بها البادية إذن. وقد جعل من سكانها الإرميين والنبط.
وتقابل العربية الصحراوية، ما يقال له "اربى" عند الأشوريين، و "ماتو أربى" عند البابليين، و "أربايه" عند السريان والفرس.

(1/174)


--------------------------------------------------------------------------------

كانت البادية، بادية الشام، أو "العربية الصحراوية"، مأهولة بالقبائل العربية، سكنتها قبل الميلاد بمئات السنين. وليست لدينا مع الأسف، نصوص كتابية قديمة أقدم من النصوص الأشورية التي كانت أول نصوص أشارت إلى العرب في هذه المنطقة، وذكرت انه كانت لديهم حكومات يحكمها ملوك. وأقدم هذه النصوص هو النص الذي يعود تاريخه إلى سنة 854 ق. م. وقد ورد فيه اسم العرب في جملة من كان يعارض السياسة الأشورية، و لما كان هذا النص يشير إلى وجود مشيخة أو مملكة عربية، سكنها ملك فلا يعقل إن يكون العرب قد نزلوا في هذا العهد في هذه البادية، بل تشير كل الدلائل إلى إن وجودهم فيها كان قبل هذا العهد بأمد، وربما كان قبل الألف الثاني قبل الميلاد. ولهد كانت هذه القبائل تهاجم أرض ما بين النهرين وبلاد الشام، وتكون مصدر رعب للحكومات المسيطرة على الهلال الخصيب، وكانت ننتقل في هذه البادية الواسعة، لا تعترف بفواصل ولا بحدود، فتقيم حيث الكلأ والماء والمحل الذي يلائم طبعها.
أما الروايات العربية، وهي لا تستند إلى وثائق أو نصوص جاهلية، فقد رجحت وجود العرب في هذه الأرضين إلى ما بعد الميلاد في الغالب، ولم يتجاوز بعض من تجاوز الميلاد أيام "بخت نصر" وهو بالطبع حديث مغلوط فيه.
العربية الحجرية، العربية للصخرية

(1/175)


--------------------------------------------------------------------------------

أما العربية الحجرية، فتشمل الأرضين التي كان يسكن فيها الأنباط، وخضعت لنفوذ الرومان والبيزنطيين. ويطلق ذلك الاسم، أي العربية الحجرية،. على شبه جزية سيناء على المملكة النبطية، و عاصمتها "بطرا" "بترا" "البتراء". وكانت حدود هذه المنطقة تتوسع وتتقلص بحسب الظروف السياسية و بحسب مقدرة العرب، ففي عهد الحارث الرابع ملك الأنباط "من سنة 9 ق.م إلى سنة 40 ب. م" اتسعت حدودها حتى بلغت نهايتها الشمالية مدينة دمشق. ولما ضعف أمر النبط، استولى الامبراطور "تراجان" عام "106 م" على هذه المقاطعة وضمها إلى المقاطعة التي كونها الرومان و أطلقوا عليها أسم "المقاطعة العربية" "Provincia Arabia". ويظهر من وصف "ديودورس" هذه المنطقة أنها في شرق مصر وفي جنوب البحر الميت، وجنوبه الغربي وفي شمال العربية السعيدة و غربها. وان الأنباط يقيمون في الأرضين الجبلية وفي المرتفعات المتصلة بها التي في شرق البحر الميت، وفي شرق وادي العربة، وفي جنوب اليهودية حتى الخليج العربي، "خليج العقبة". و أما الأقسام الباقية، فكانت تسكنها في قبائل عربية قيل لها "سبئية"، وهي تسمية كانت تطلق عند الكتبة اليونان والرومان على أكثر القبائل المجهولة أسماؤها، التي تقطن وراء مناطق نفوذ الأنباط والرومان، ويعنون بذاك قبائل جنوبية في الغالب.
التقسيم للعربي
و يؤسفنا أننا لا نستطيع إن نتحدث عن وجهة نظر أحد من الجاهليين في أقسام بلاد العرب، لعدم ورود شيء من ذلك في النصوص أو في الروايات التي يرويها عنهم أهل الأخبار، وكلهم مسلمون.
أما الإسلاميون، فقد اكتفوا بجزيرة العرب، فأخرجوا بذلك البادية الواسعة منها، واخرجوا القسم الأكبر مما دعاه الكلاسيكيون بالعربية الحجرية منها كذلك. وجزيرة العرب وحدها، هي "العربية السعيدة" عند اليونان والرومان، و ما يقال له أيضا ب "Arabia Proper" في الإنكليزية.

(1/176)







التوقيع

من القلب الى القلب بالحارث سيف نجران

رد مع اقتباس
 
   
   
 
قديم 12-26-2010, 01:11 AM رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
الاداره

الصورة الرمزية admin

إحصائية العضو






 

admin غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : admin المنتدى : تـــاريــخ وأنســــــاب
افتراضي

وقد قسموا جزيرة العرب إلى خمسة أقسام: الحجاز، وتهامة، واليمن، والعروض، ونجد. ويرجع الرواة أقدم رواياتهم في هذا التقسيم إلى عبد الله بن عباس.
أما الحجاز، فتمتد رقعته في رأي أكثر علماء الجغرافية المسلمين. من تخوم الشام عند العقبة إلى "الليث"، وهو واد بأسفل.السراة يدفع في البحر، فتبدأ عندئذ أرض تهامة. وقد عد قسم من العلماء "تبوك" وفلسطين من أرض الحجاز. ويقال للقسم الشمالي من الحجاز أرض مدين وحسمى. نسبة إلى السلسلة الجبلية المسماة بهذا الاسم، التي تتجه من الشمال نحو الجنوب، و تتخلها أودية محصورة بين التيه وأيلة من جهة، وأرض بني عذرة من ظهرة حرة نهيل من جهة أخرى. وكانت تسكنها في الجاهلية قبائل جذام. ويسكنها في الزمن الحاضر عرب الحويطات، ويعتقد المستشرقون أنهم من بقايا النبط.
وأرض "حسمى"، أرض خصبة كثيرة المياه. وكانت من المناطق المعمورة، وبها آثار كثيرة ومن جبالها جبل يعرف ب "إرم". ويرى بعض المستشرقين إن لهذا الجبل علاقة بموضوع "إرم" الوارد ذكره في القرآن الكريم وفي كتب قصص الأنبياء والتواريخ. ويرى "موريتس" انه موضع "Aramaua" الذي ذكره "بطليموس" على أنه أول موضع من مواضع العربية السعيدة، وأنه لا يبعد كثيرا عن البحر. ويقال له "رم" في الزمن الحاضر.

(1/177)


--------------------------------------------------------------------------------

وتتخلل الحجاز أودية عديدة، منها وادي إضم الذي ورد ذكره في أشعار الجاهلية وفي أخبار سرايا الرسول. ووادي تخال، ويصب في الصفراء بين مكة والمدينة. والصفراء واد من ناحية المدينة، كثير النمل والزرع، في طريق الحاج، سلكه الرسول غير مرة، وعليه قرية الصفراء، وماؤها عيون تجري إلى ينبع، وهي لجهينة والأنصار ولبني فهر ونهد ورضوى. ووادي "بدا" قرب أيلة، يتصل بوادي القرى. ووادي القرى واد مهم يقع بين العلا والمدينة، ويمر به طريق القوافل القديم الذي كان شريانا من شرايين الحركة التجارية في العالم القديم، ويقال له "وادي الديدبان"، ويصب فيه واديان هما: وادي جزل من الشمال، ووادي الحمض من الجنوب، ويلتقي به واد آخر هو وادي التبج، أي وادي السلسلة. وكان عامرا جدا، تكثر فيه المياه، وتشاهد فيه اليوم آثار المدن والقرى. وقد عثر فيه على كتابات كثيرة لحيانية وسبئية وسعين ية وغيرها، سأتحدث عنها.
ومن أهم مواضع وادي القرى "العلا"، وقد نزله الرسول في طريقه إلى تبوك. ويقع في موضع "ديدان" "ددان" "ددن" القديم. وبه واحة ونهير صغيره. ومدينة "قرح"، وكانت من أسواق العرب في الجاهلية، وقد زعم أنها القرية التي كان بها هلاك عاد. وتبعد عن خرائب "ديدان" بمسافة ثلاثة كيلومترات. وقد سكنتها قبائل "بلي" من القبائل العربية القديمة. وهي ملتقى طريق مصر القديم بطريق الشام. ويرى "موسل" أنها هي "العلا"، دعيت بهذا الاسم فيما بعد. ولما سأل "دوتي" الأعراب القاطنين في هذه الأماكن عن "قرح"، لم يعرفوا من أمرها شيئا.

(1/178)


--------------------------------------------------------------------------------

ووجد "دوتي" في قرى وادي القرى وخرائبه عددا كبيرا من الحجارة المكتوبة بحرف المسند، وقد اتخذها السكان أحجارا من أحجار البناء. وعثر في "الخريبة" على كتابات بهذا القلم، وعلى آثار أبنية ومواطن حضارة. وعلى ألواح من الحجر كان يستعملها الصيارفة لصف نقودهم عليها، أو لذبح القرابين. كما شاهد موضعا يقال له "إسطبل عنتر" على قمة جبل شاهق يرنو إلى الوادي ولعله معبد أحد الأصنام التي كانت تعبد هناك.
تهامة
وتبدأ حدود تهامة، في رأي بعض الجغرافيين، من بحر القلزم، فتكون المنطقة الساحلية الضيقة الموازية لامتداد البحر الأحمر. ويقال لتهامة الواقعة في اليمن "تهامة اليمن"، ويختلف عرضها باختلاف قرب السلاسل الجبلية من للبحر وبعدها عنه، وقد يبلغ عرضها خمسين ميلا في بعض الأمكنة. وترتفع أرض تهامة الجنوبية الواقعة على البحر العربي ما اتجهت نحو المشرق، وتتكون فيها سلاسل من التلال المؤلفة من حجارة كلسية ترجع إلى العهود الجيولوجية الحديثة أو من حجارة بركانية.
ولانخفاض أرض تهامة قيل لها "الغور" و "السافلة". وقد وردت لفظة تهامة على هذا الشكل "تهمت" "تهمتم" في النصوص العربية الجنوبية.
ويظهر إن هذه اللفظة علاقة بكلمة "Tiamtu"، التي تعني البحر في البابلية. وبكلمة "تبهوم Tehom" العبرانية. وعندي إن هذه الكلمة ترجع إلى أصل سامي قديم. له علاقة بالمنخفضات الواقعة على البحر، والتي تكون لذلك شديدة الرطوبة والحرارة في الصيف. ولهذا فإنها في العربية بلهجة القرآن الكريم وباللهجات الجنوبية للسواحل المنخفضة الواقعة بين الجبال والبحر، وهي حارة وخمه شديدة الرطوبة كأنها من بقاع جهنم في الصيف.
اليمن

(1/179)


--------------------------------------------------------------------------------

حد اليمن في عرف بعض العلماء من وراء "تثليث" وما سامتها إلى صنعاء وما قاربها إلى حضرموت والشحر وعمان إلى عدن أبين وما يلي ذلك من التهائم والنجود وقيل: يفصل بين اليمن وباقي جزيرة العرب خط، يأخذ من حدود عمان ويرين إلى ما بين اليمن واليمامة فإلى حدود الهجيرة وتثليث وكثبة وجرش ومنحدرا في السراة إلى شعف عنز وشعف الجبل أعلاه إلى تهامة إلى أم جحدم إلى البحر إلى جبل يقال له كرمل بالقرب من حمضة، وذلك حد ما بين كنانة واليمن من بطن تهامة. أما النصوص العربية الجنوبية، فلم تثبت حدود اليمن. ولكن اليمن فيها وتسمى "يمنت" "يمنات"، منطقة صغيرة ذكرت في نص يعود عهده إلى أيام الملك "شمر يهرعش"، المعروف في الكتب الإسلامية ب "شمر يرعش"، بعد "حضرموت" في الترتيب. وعلى هذا الترتيب وردت أيضا في نص "أبرهة" نائب النجاشي على اليمن. ويعود عهده إلى سنة 543م.
وتخترق السراة اليمن من الشمال إلى الجنوب حتى البحر، وتتخللها الأودية التي تنساب فيها مياه الأمطار،ويمتد بين الهضاب والشعاب فلاة تتفرع من الدهناء من ناحية اليمامة والفلج يقال لها "الغائط"، وتظهر في أواسطها "الصيهد"، وتقع بين مأرب وحضرموت.
وفي شمال منطقة عدن صحراء تتصل بالربع الخالي، يخترق الهضاب المهيمنة على عدن عدد من الأودية الجافة يظهر أنها كانت مسايل مياه، وأنها من بقايا أنهار جفت، وتسيل في بعضها المياه عند سقوط الأمطار، ومنها "وادي تبن"، وهو من بقايا نهر طويل، له فروع عديدة، وتمر به الطريق الرئيسية المؤدية إلى اليمن.
ويخترق حضرموت واد، يوازي الساحل، يبلغ طوله بضع مئات من الأميال و يتألف سطحه من ارضين متموجة تتخلها أودية عميقة تكثر فيها المياه، في باطن الأرض، وبعض تلاله مخصبة.

(1/180)


--------------------------------------------------------------------------------

وفي حضرموت حجارة بركانية ومناطق واسعة، يظهر أنها كانت تحت تأثير البراكين. والظاهر إن دورها لم ينته إلا منذ عهد ليس ببعيد. ويزرع الناس في هذه الأودية حيث يحفرون آبارا في قيعانها فتظهر المياه على أبعاد متفاوتة، وهنالك نهر يقال له نهر حجره.
ومن شرق سيحوت تبتدئ سواحل "مهرة"، وتعرف عند الجغرافيين باسم "الشحر". ومعنى كلمة "مهرة" في العربية الجنوبية القديمة "ساحل". ويطلق اليوم أسم "الشحر" على الميناء الغربي وحده. وفي "قارة" مدينة "ظفار"، وهي غير ظفار اليمن. وعند خليج ظفار كان موضع "Syagro" المشهور عند اليونان وللرومان.
ويمتد اقليم ظفار من سيحوت إلى حدود عمان، وهو هضبة يبلغ ارتفاعها ثلاثة آلاف قدم، تجب عليها الرياح الموسمية، وفوق جبالها تنمو أشجار الكندر التي اشتهرت بها بلاد العرب قبل الإسلام. وتشقها طولا وعرضا أودية تكسوها الأعشاب وتتخللها الأشجار. وبها جبال "قرا"، و منحدراتها أرجوانية، وقد تفتتت الصخور الحمر فيها، فأكسبت الأودية والسهول الحمرة، وتوجد نهيرات وعيون، ويمكن الحصول على المياه بحفر الآبار. ولا زال السكان يحتفظون بعاداتهم القديمة الموروثة مما قبل الإسلام.
ويظهر إن هذه المنطقة كانت أماكن "القريين" من الشعوب العربية الجنوبية القديمة، وهناك قبيلة لا تزال حتى اليوم يقال لها "بنو قرا" لعل لها صلة بالقريين.
ويتكلم أهل "مهرة" بلهجة خاصة، يقال لها "المهرية" أو "الأمهرية"، وهي متأثرة بالجعزية. كما يتكلم أهل قارة "قرا" بلهجة يقال لها "أحكيليلة"، ويظن إنها من اللهجات العربية القديمة.

(1/181)


--------------------------------------------------------------------------------

وتتألف أرض عمان من أماكن جبلية، وهضاب متموجة، وسهول ساحلية. واكثر حجارتها كلسية و غرانيتية، و فيها أيضا حجارة بركانية. والظاهر إنها كانت من مناطق البركانية. وفي مناطق التلال وفي "جعلان" عيون ومجاري مياه معدنية أكثرها ذات درجات حرارة مرتفعة. وتوجد آبار في "الباطنة" وفي المناطق المجاورة للصحراء وفي الأقسام الشرقية من عمان.
وتتخلل هضاب عمان وجبالها أودية معظمها جاف، وتكون طرق المواصلات بين الساحل والأرضين الباطنة، وجوها حار استوائي، وتتجه الجبال من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي، وأعلى قمة فيها هي قمة الجبل الأخضر، ويبلغ ارتفاعها تسعة آلاف قدم. الأرضون المحيطة بهذا الجبل، خصبة، وقابلة للاستثمار.
وفي عمان مدن قديمة، منها "صحار" و "نزوة" و "دبا" أو "سما"، وكانت من المدن المهمة في أيام الرسول، وهي عاصمة عمان الشمالية، كما كانت سوقا من أسواق الجاهلية، وسكانها من الأزد. والعمانيون من الشعوب للبحرية المحبة لركوب البحار، ولهم صلات وروابط بسواحل أفريقية والهند. ونجد بينهم عددا كبيرا من الزنوج والهنود والفرس والبلوج.
العروض
و أما العروض، فيشمل اليمامة والبحرين وما والاها. وأغلب الأرضين فيه صحارى وسهول ساحلية، ترتفع في الجهات الغربية عن ساحل البحر. ويمتد مرتفع الصمان الصخري موازيا لساحل الخليج، متوسطا بين الأحساء والدهناء. ومن اودية الأحساء، وادي فروق في الجنوب، وهو قسم من وادي المياه.
ومن أقسام العروض، شبه جزيرة "قطر" التي يمتد من عمان إلى حدود الأحساء، يشتغل سكانها بصيد الأسماك واستخراج اللؤلؤ، وقد عرفت ب "Cataraei" عند "بلينيوس". ومعظم أراضيها صحارى، وفيها واحات قليلة، ويزرع السكان في بعض الأماكن على مياه الآبار. وقد عرفت قديما بأنواع من الثياب والمنسوجات القطرية، كانت تصدر إلى الخارج، كما عرفت بتصدير النجائب والنعام.

(1/182)


--------------------------------------------------------------------------------

و يلي شبه جزيرة قطر: "الأحساء"، وكان يقال لهذه المنطقة قديما "هجر" والبحرين. والقسم الأكبر من الأحساء، سهل صحراوي، يرتفع في الجهة الغربية عن ساحل البحر ويتخلله كثير من التلال، يتجه بعضها باتجاه وادي المياه وجبل الطف. والمنطقة الساحلية، سبخة في الغالب، وتكثر فيها الآبار التي لا تبعد مياهها كثيرا عن سطح الأرض. وأغلب مناطق الأحساء، منطقة الأحساء والقطيف في الجنوب حيث تكثر المياه من آبار وعيون.
وتظهر المياه الجوفية المنحدرة من الأمطار التي تتساقط بمقدار أربع عقد أو خمس عقد "انج" في السنة على حافات جبل "طويق" في "الهفوف"، تظهر فيها على شكل عيون، تبلع زهاء أربعين عينا، جعلت المنطقة من أهم الواحات في المملكة العربية السعودية. وبحذاء هجر في الجنوب الغربي من مدينة القطيف تقع "العقير"، وهي الآن ميناء صغيره. وعلى مقربة منها خرائب عادية، يعتقد العلماء أنها موضع "Gerrhaei" المدينة التجارية العظيمة التي اشتهر أمرها، وبلغت شهرتها اليونان والرومان. وكانت محطة من المحطات التجارية العالمية، وملتقى طرق القوافل التي كانت ترد من جنوب بلاد العرب قاصدة للعراق. وقد أغرت الطامعين، فطمعوا في الاستيلاء طيها، وأوحت إلى الكتبة "الكلاسيكين"، فكتبوا فيها قصصا من نسج الخيال، وتقع على خليج سماه "الكلاسيكيون" "Sinus Gerraicus"؛ أي خليج جرهاء.
وتقع القطيف على خليج يشمل جزيرة "تاروت" وتعد المدينة البحرية الرئيسية في الأحساء، يرتفع سطحها بضع أقدام عن سطح البحر، وتكثر بها مياه العيون. وتشاهد عندها خرائب عادية، يستدل منها على إن هذه المدينة كانت ذات تاريخ قديم، ربما يعود إلى آخر عهد من عهود العصر النحاسي.

(1/183)


--------------------------------------------------------------------------------

وفي هذه المنطقة، يجب إن يكون موقع مدينة "بلبانا" "Bilbana" "Bilaena" "Bilana"، إحدى مدن "الجرهائيين". ومواطن قبيلتي "Gaulopeus" و "Chateni" على سواحل خليج سماه "بلينوس" "Sinus Gaulopeus" أي "خليح كيبيوس". ويرى "شبرنكر" أنه "خليج القطيف". ويذكرنا اسم "Chateni" "p'dkd" باسم "الخط"، ويطلق في العربية على سيف البحرين كله. وربما كان "كيبيوس"، التي سمي الخليج به، هو تحريف "Cateus" الذي يشير بكل وضوح إلى اسم "القطيف".
و أما جزيرة "تاروت" الصغيرة التي في هذا الخليج، فالظاهر إنها جزيرة "Tahar" أو "Taro" أو "Ithar" في جغرافية "بطليموس"، وفيها مدينة "دارين". ويظهر إنها أقيمت على أنقاض أبنية قديمة، ولعلها كانت معبدا للإله "عشتروت" 0 اشتهرت به، ثم حذف المقطع الأول من اسم الإله اختصارا، وصارت تعرف بالمقطعين الأخيرين، و هما "تاروت".
والقسم الأكبر من أرض الكويت منبسط، وأكثر السواحل رملي، إلا بعض الهضاب أو التلال البارزة. وفي المحال التي تتيسر فيها المياه تتوافر الزراعة، وأكثر ما بزرع هناك النخيل. وليس في الكويت من الأنهار الجارية غير مجرى واحد أو نهر يقال له "المقطع"، يصب في البحر. ومشكلة ماء الشرب من أهم المشكلات في هذه الإمارة، لأن ماء أغلب الآبار ملح أجاج،ولذلك يضطر الأغنياء إلى جلب المياه من شط العرب.
ومن أشهر مدن الكويت مدينة "الكويت"، وهي العاصمة، وهي على ساحل الخليج، و "جهرة"، وفي في منطقة زراعية خصبة، ذات أبار على مقربة من خليج الكويت. ويظن إن الخندق الذي أمر بحفره "سابور ذو الأكتاف" ليحمي السواد من غزو الأعراب، كان ينتهي في البحر عند "خليج كاظمة" في شمال الإمارة.

(1/184)


--------------------------------------------------------------------------------

وأرض الكويت، مثل سائر أرض العروض، كانت موطن شعوب قديمة، فيظهر. إن "Bukae" أو "Abucaei" أو "Abukae"، وعاصمتهم مدينة "Coromanis"، هم أسلاف بني عبد القيس، وأن "Coromanis"، المصدر اللغوي الذي اشق منه "القرين"، الاسم القديم للكويت.
ولعل "Idicare" هي "قارة" من مواضع الكويت، وان "Jucara" هي "الجهرة" من أخصب مناطق الكويت في الزمن الحاضر،وكانت من المواضع المأهولة قبل الإسلام.
وقد عرف "ياقوت" البحرين بأنها الأرضون التي على ساحل بحر الهند بين البصرة وعمان، وذكر إن من الناس من يزعم إن البحرين قصبة هجر، و أن منهم من يرى العكس، أي إن هجرا هي قصبة البحرين.
أما "أبو الفداء" فذكر إن البحرين هي ناحية على "شط بحر فارس"، وهي ديار القرامطة ولها قرى كثيرة، وبلاد البحرين هي هجر. وذكر أيضا إن من الناس من يرى إن هجرا اسم يشتمل جميع البحرين كالشام والعراق، وليس هو مدينة بعينها. ويظهر من دراسة ما ذكره العلماء عن البحرين إن رأيهم في حدودها كان متباينا، وأنهم لم يكونوا على اتفاق في تحديدها، فتارة يوسعونها، وتارة يقلصونها.
ومن مواضع البحرين "محلم" وبه نهر اشتهر بنخله، و إليه أشار "بشر بن أبي ختزم ألاسدي" بقوله: كأن حد وجهم لما استقلوا نخيل "محلم" فيها ينوع
اليمامة

(1/185)







التوقيع

من القلب الى القلب بالحارث سيف نجران

رد مع اقتباس
 
   
   
 
قديم 12-26-2010, 01:13 AM رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
الاداره

الصورة الرمزية admin

إحصائية العضو






 

admin غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : admin المنتدى : تـــاريــخ وأنســــــاب
افتراضي

و أما اليمامة، فكانت تعرف ب "جو" أيضا، وقد عدها "ياقوت الحموي" من نجد، وقاعدتها "حجر". وكانت عامرة ذات قرى ومدن عند ظهور الإسلام، منها "منفوحة"، وبها قبر كان ينسب إلى الشاعر "الأعشى". و "سدوس" من المدن القديمة، وبها الآن آثار كثيرة، وقد عثر فيها على تمثال يبلغ قطره ثلاث أقدام، وارتفاعه 22 قدما. و "القرية"، وعلى مقربة منها بئر، قال الهمداني -وهو يتحدث عنها-: "فإن تيامنت شربت ماء عاديا، يسمى قرية، إلى جنبه آبار عادية وكنيسة منحوتة في الصخر، ثم ترد ثجر". والظاهر إن هذا الموضع كان من المواضع الكبيرة المعروفة. وذكر ياقوت وغيره إن اليمامة "كانت تسمى جوا والقرية". ولا يعقل تسمية اليمامة بالقرية لو لم يكن هذا الموضع شهرة.
وقد نشر "فلبي" وبعض رجال شركة النفط العربية السعودية صورا فوتوغرافية لكتابات ونقوش عثروا عليها في موضع يقال له "قرية الفأو" على الطريق الموصلة إلى نجران ويقع على مسافة سبعين كيلومترا من جنوب ملتقى وادي الدواسر بجبل الطويق، وعلى مسافة "120" كيلومترا من شرقي "نجران"، وعلى ثلاثين ميلا من جنوب غربي "السليل" في وادي الدواسر.
كما وجدوا آثار أبنية ضخمة، يظهر أنها بقايا قصور كبيرة، ووجدوا كهفا منحوتا في الصخر مزدانا بالكتابات والتصاوير واسعا.، يقول له الناس هناك "سردبا" أو "سردابا". وعند هذا الموضع عين ماء وآبار قديمة، وقد كتب اسم الصنم "ود" بحروف بارزة. وتدل كل الدلائل على إن الموضع الذي تتغلب عليه الطبيعة الصحراوية في الزمن الحاضر، كان مدينة ذات شأن.

(1/186)


--------------------------------------------------------------------------------

وقد أشار الألوسي في كتابه "تاريخ نجد" إلى سدوس وآثارها فقال: "وفي قربها أبنية قديمة يظن أنها من آثار حمير وأبنية التبابعة. "نقل لي بعض الأصحاب الثقات من أهل نجد: إن من جملة هذه الأبنية شاخصا كالمنارة، وعليها كتابات كثيرة منحوتة في الحجر ومنقوشة في جدرانها. فلما رأى أهل قرية سدوس اختلاف بعض السياحيين من الإفرنج إليها، هدموها ملاحظة التدخل معهم". وفي هذا الوصف دلالة على إن الخرائب التي ذكرها "ياقوت الحموي" بقيت، وأن المنبر الذي أشار إليه، قد يكون هذا الشاخص الذي شبه بالمنارة والذي أزيل على نحو ما ذكره الألوسي.
والكتابات التي عثر عليها في "قرية الفأو" ذات أهمية كبيرة، لأنها أول كتابة باللهجات العربية الجنوبية عثر عليها في هذه المواضع، وتعود إلى ما قبل الميلاد. وعثر فيها على مقابر، وعلى أدوات وقطع فخارية ظهر من فحصها أنها تعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد. ويرى من فحص هذه الآثار أنها تعود إلى السبئيين . والظاهر إن هذا الموضع هو بقايا مدينة قديمة كانت تتحكم في الطريق التجارية التي تخترقها القوافل إلى تقصد الخليج الفارسي والعراق من اليمن عن طريق نجران. وفي هذه المنطقة بصورة عامة بقايا مدن تخربت قبل الإسلام. ورأى "برترام توماس" "Bertram" إن آبار "العويفرة" القريبة من القرية هي موضع "أوفير" "Ophir" الوارد ذكره في التوراة والذي اشتهر بالذهب، والطواويس، وان الاسم العربي القديم هو "عفر" "Ofar"، وقد تحرف بالنقل إلى العبرانية واليونانية، فصار "Ophir". وهذا الموضع قريب من مناجم الذهب. وبالجملة إن هذه الأرضين ويبرين ووبار وغيرها، هي من المناطق التي تستحق الالتفات إليها وتجريد البعثات العليمية للتنقيب فيها ودراسة أحوالها والتطورات التي طرأت عليها.

(1/187)


--------------------------------------------------------------------------------

ويظهر إن هنالك جملة عوامل أثرت في اليمامة وفي أواسط جزيرة العرب، فحولت أراضيها إلى مناطق صحراوية، على حين أننا نجد في الكتب أنها كانت غزيرة المياه، ذات عيون وآبار ومزارع ومراع.
ومن أودية اليمامة "العرض" "العارض" الذي يخترق اليمامة من أعلاها إلى أسفلها. ولما كان من الأودية الخصبة، كثرت فيها القرى والزروع. وهو واد طويل، لعله من بقايا مجرى ماء قديم، و "الفقي"، في طرف عارض اليمامة، تحيط به قرى عامرة،تسمى "الوشم". و "وادي حنيفة" و "عرض شمام". وفي اليمامة مرتفعات مثل "جبل شهوان"، تخرج منه العيون ومياه، و "عارض اليمامة"، ويبلغ طوله مسيرة أيام، وتكون عند سفوحه الآبار.
و تعد "الافلاج" من المناطق التي تكثر فيها المياه، و تصب فيها أودية العارض، و فيها السيوح الجارية و الجداول التي تمدها العيون. و قد ذكر "الهمداني" من سيوحة "الرقادى" و "الأطلس" و "نهر محلم". قال: و يقال انه في أرض العرب بمنزل ة نهر بلخ في أرض العجم. وطبيعي إن يكثر فيها وجود الخرائب العادية التي إلى ما قبل الإسلام. وقد وصف الهمداني بعض التحصينات القوية، فقال عنها أنها من عاديات طسم و جديس، مثل "حصن مرغم و "القصر العادي" بالأثل. و يرجع "فلبي" الخراب الذي حل باليمامة إلى العوامل الطبيعية، و منها فيضان وادي حنيفة.
نجد

(1/188)


--------------------------------------------------------------------------------

نجد في الكتب العربية "اسم للأرض العريقة التي اعلاها تهامة و اليمن، ة أسفلها العراق و الشام". وحدها ذات عرق من ناحية الحجاز، و ما ارتفع عن بطن الرمة، فهو نجد إلى أطراف العراق و بادية السماوة. و ليست لنجد في هذه الكتب حدود واضحة دقيقة، وهي بصورة عامة الهضبة التي تكون قلب الجزيرة، وقد قيل لها في الإنكليزية: "The Heart of Arabia". و تتخلل الهضبة أودية و تلال ترتفع عن سطح هذه الهضبة بضع مئات من الأقدام، و تتألف حجارتها في الغالب من صخور كلسية ومن صخور رملية غرانيتية في بعض المواضع. و أعلى أراضيها هي أرضو نجد الغربية المحاذية للحجاز، ثم تأخذ في الانحدار كلما اتجهت نحو الشرق حتى تتصل بالعروض.
و تتألف نجد من الوجهة الطبيعية من مناطق ثلاث: 1 - منطقة وادي الرمة، و تتألف أرضوها من طبقات طباشيرية في الشمال وحجارة رملية في الجنوب، وتغطي وجه الأرض في بعض أقسامها طبقات مختلفة السمك من الرمال، وتتخللها أرضون خصبة تتوافر فيها المياه على أعماق مختلفة، ولكنها ليست بعيدة في الجملة عن سطح الأرض، وتتسرب إليها المياه من المرتفعات التي تشرف عليها وخاصة من جبل شمر، ومن الحرار الغربية التي تجود على الوادي بالمياه. ويختلف عرض وادي الرمة، فيبلغ زهاء ميلين في بعض المحلات، وقد يضيق فيبلغ عرضه زهاء "500" ياردة، وتصل مياه السيول إلى ارتفاع تسع أقدام في بعض الأوقات.
2 - المنطقة الوسطى،وهي هضبة تتألف من تربة طباشرية، متموجة، تتخللها أودية تتجه من الشمال إلى الجنوب. وبها "جبل طويق"، والأرض عنده مؤلفة من حجارة كلسية،وحجارة رملية، ويرتفع زهاء "650" قدم عن مستوى الهضبة. وتتفرع من جبل طويق عدة أودية تسيل فيها المياه في مواسم الأمطار، فتصل إلى الربع الخالي فتغور في رماله. ويمكن إصلاح قسم كبير من هذه المنطقة، ولا سيما الأقسام الواقعة عند حافات وادي حنيفة.

(1/189)


--------------------------------------------------------------------------------

3 - المنطقة الجنوبية، وتتكون من المنحدرات الممتدة بالتسريح من جبل طويق ومرتفعات المنطقة الوسطى إلى الصحارى في اتجاه الجنوب. وفيها مناطق معشبة ذات عيون وآبار، مثل "الحريق" و "الخرج". ويرى الخبراء إن مصدر مياه هذه المنطقة من جبل طويق ومن وادي حنيفة. ومن مناطقها المشهورة "الأفلاج." و "السليل" و "الدواسر"،وفي جنوب هذه المنطقة تقل المياه، وتظهر الرمال حيث تتصل عندئذ بالأحقاف.
ويقسم علماء العرب نجدا إلى قسمين: نجد العالية، ونجد السافلة. أما العالية فما ولي الحجاز وتهامة. و أما السافلة، فما ولي العراق. وكانت نجد حتى القرن السادس للميلاد ذات أشجار وغابات، ولا سيما في "الشربة" جنوب "وادي الرمة" و في "وجر ة".
وفي جزيرة العرب وبادية الشام أرضون يمكن إن تكون موردا عظيما للماشية بل وللحبوب أيضا، لو مسها وابل وهطلت عليها أمطار، وتوفرت فيها مياه، فإن أرضها الكلسية تساعد كثيرا على تربية الماشية بجميع أنواعها. كما تساعد على الاستيطان فيها، ولهذا يتول بعضها إلى جنان تخلط الألباب وتسحر النفوس عند هبوط الأمطار عليها، فتجلب إليها الإنسان يسوق معه إبله لتشبع منها. ولكن هذه الجنان لا تعمر، ويا للاسف، طويلاء، فيضطر أصحاب الإبل إلى الذهاب إلى أرضين أخرى، والى التنقل من مكان إلى مكان، فصارت حياته حياة تنقل وهي حياة الأعراب.

(1/190)


--------------------------------------------------------------------------------

أما وقد انتهيت من الحديث إجمالا عن صفة جزيرة العرب وعن حدودها ورسومها العامة، فلا بد لي من الإشارة إلى جزيرة "سقطرى" "سوقطره" من الجزر التي تقابل الساحل العربي الجنوبي، وهي جزيرة كانت تعادل وزنها ذهبا يوم كان البخور والصبر يعادلان بالذهب. أما اليوم فما زال سكانها يجمعون الصبر والبخور والند، ولكنهم لا يجدون لحاصلهم السوق القديمة لزوال دولة المعابد والملوك الآلهة، وحلول عهد الذرة والبترول. وسكانها منذ القدم، خليط من عرب وإفريقيين وهنود ويونان. يتكلمون بلغة خاصة هي من بقايا اختلاط اللغات في هذه الجزيرة، فيها اللهجات العربية الجنوبية القديمة والمصرية والأفريقية. وهم يعيشون في كهوف ومغاور في الغالب ينالون رزقهم من الطبيعة بغير جهد. وترى في الجزيرة آثار الماضي وقد اختلط بعضه ببعض. لتداخل الحكم في هذه الجزيرة الثمينة التي هي اليوم في قبضة الإنكليز.
والآن وقد وقفت على صفة جزيرة العرب، وعرفت على سبيل الإجمال معالم وجهها، وكيف تغلبت الصحراوية، وظهر الجفاف عليها، فإن في وسعك إن تكون رأيا في سبب قلة نفوس جزيرة العرب في الماضي وفي الحاضر، وفي سبب عدم نشوء مجتمعات حضرية وحكومات مركزية كبيرة فيها، وفي سبب تفشي البداوة وغلبة الطبيعة الأعرابية على أهلها وبروز الروح الفردية عند اهلها، وتقاتل القبائل بعضها مع بعض. ونفرة أهلها من الزراعة والحرف واعتدادهم إياها من حرف الوضعاء والرقيق. إن بيئة تحكمت فيها الطبيعة على هذا النحو، لا يمكن إن يشاكل سكانها سكان المناطق الباردة ذات الأمطار الغزيرة والخضرة الطبيعية الدائمة،أو سكان الأرضين التي حباها الله الخصب والأنهار والماء الغزير. من هنا اختلفت حياة العرب عن حياة غيرهم من الشعوب.

(1/191)


--------------------------------------------------------------------------------

وللسبب المتقدم،أي سبب تحكم الطبيعة في مصير الإنسان، انحصرت الحضارة في جزيرة العرب في الأماكن الممطورة والأماكن التي، خرجت فيها المياه الجوفية عيونا وينابيع، أو قاربت المياه فيها سطح الأرض، فأمكن حفر الآبار فيها. في هذه المواضع نبعث الحضارة وأظهر العربي فيها انه مثل عيره من البشر قارد على الإبداع حين تتهيأ له الأحوال المواتية، وتساعد الطبيعة، ومن هذه الأماكن نستقي علمنا في العادة عن الجاهليين.
وعلى الرغم من سعة مساحة الجزيرة العرب واتساعها، فإنها لن تتسع لعدد كبير من السكان لان معظم أرضها صحراوية، لا تجد الناس اليها ولا تساعد على ازدياد عدد سكانها فيها ازديادا كبيرا، غير إن ذلك لا يعني إنها لا يمكن إن تتسع لعدد اكبر من سكانها الحاليين، وان طاقاتها لا يمكنها إن تتحمل هذا العدد أو ضعفه، بل الواقع هو إن في استطاعة الجزيرة تحمل أضعفاف أضعاف هذا العدد، لو تهيأت لها حكومات حديثة رشيدة، تأخذ بأساليب العلم الحديث في استنباط مواردها الطبيعية لمصلحة أهلها وفي تحسين الصحة العامة وإيجاد موارد رزق للناس وضمان الأمن والسلامة لهم، واسكان الأعراب ، وعمل ما شاكل ذلك من امور. فان سكان الجزيرة سيزدادون حتما، ويبلون أضعاف أضعاف ما هم علية اليوم.

(1/192)


--------------------------------------------------------------------------------

ونجد بين سكان جزيرة العرب في الوقت الحاضر اختلافا في الملامح الجسمية. فأهل اعلي نجد هم اقرب في الملامح إلى قبائل الأردن وعرب بادية الشام. وأهل الحجاز والسواحل، يختلفون بصورة عامة عن أهل البواطن، أي باطن الجزيرة، في الملامح بسبب اختلاط أهل السواحل بسكان السواحل المقابلة لهم، وامتزاج دمائهم. وقد أجرى بعض الباحثين المحدثين فحوصا علمية على السكان في مواضع متعددة من الجزيرة العرب لمعرفة الملامح البارزة عليهم والأصول التي يرجعون إليها، فوجدوا إن هناك امتزاجا واضحا بين السكان يظهر بصورة خاصة في السواحل، وهو امتزاج يرجع بعضة إلى ما قبل الإسلام ويرجع بضع اخر إلى الزمن الحاضر.
ولم يكن لسان عرب الجاهلية لسانا واحدا، ولكن كان كما سنرى ألسنة ولهجات. وقد استطعنا بفضل الكتابات الجاهلية إن نوقف على بعضها. أما في للزمن الحاضر، فإن لغة القرآن الكريم هي اللغة المتحكمة الموحدة للألسنة، وهي لغة العلم والأدب والحكومات، غير إن بعض القبائل لا تزال تحتفظ بلهجاتها القديمة، وكذلك بعض أهل القرى والأرياف البعيدة عن الحضارة، فإنها تتكلم بلهجات وألسنة متفرعة من اللهجات العربية الجاهلية، كما الحال في مواضع من اليمن وفي العربية الجنوبية. ونجد في العربية الجنوبي ة قبائل تتكلم لهجات غريبة عن عربيتنا مثل اللغة المهرية واللغة الشحرية، واللهجات المسماة بألسنة "أهل الهدرة". وهي لهجات لها صلة باللغات العربية الجنوبية الجاهلية وباللغات الأفريقية.
الفصل الخامس
طبيعة جزيرة العرب وثرواتها وسكانها

(1/193)


--------------------------------------------------------------------------------

لم تدرس طبيعة أرض جزيرة العرب دراسة علمية مستفيضة لشاملة، بالرغم من قيام الشركات الأجنبية بالبحث، في أنحاء منها، عن طبيعة تربتها للتوصل بذاك إلى اكتشاف ما في باطنها من ثروات. فأرض جزيرة العرب، أرض واسعة، تغطي الرمال اكثر مساحاتها، فليس من السهل البحث فيها بحثا علميا عميقا عن تركيبها وعن تطورها في كل أنحائها، لهذا كان علمنا بهذه النواحي من البحث ضحلا" مختصرا في الغالب.
يتألف ثلثا الأقسام الشرقية من أرض المملكة العربية السعودية، من طبقات رسوبية يقال لها في علم طبقات الأرض "Sedimentry"، تكون نوعا من الصخور يتأثر ببعض المؤثرات الأرضية، فتكون من أحسن الأماكن الملائمة للبترول والفحم. وتتألف هذه الطبقات الرسوبية في الدرجة الأولى من الحجارة الكلسية وتتكون أرض منطقة أبار البترول عند "الظهران" والمناطق الأخرى التي أصابت شركة البترول العربية السعودية الأمريكية فيها البترول، من هذا النوع من الصخور.
وتوجد آثار طبقات رسوبية في المناطق الغربية من جزيرة العرب المطلة على البحر الأحمر عند جزر "فرسان" و "جيزان" و "صعبيا" و "أملج" و "المويلح" الواقع على مقربة من راس خليج العقبة، و "ضبا"، وحجارة رملية في العلا في القسم الشمالي الغربي من الجزيرة بكميات واسعة، وحجارة بركانية ولا سيما في مناطق الحرار.وصخور تكونت بفعل الترسبات المتأثرة بالضغط والحرارة، وهي التي يقال لها: "Metamorpic Formation"، وتساعد على تكوين المعادن. وقد وجدت في هذه المنطقة، خامات المعادن ولكنها لم تستغل حتى ألان استغلالا تجاريا، كما إن هذه الخامات والأرضين لم تفحص فحصا فنيا لمعرفة النسب المعدنية فيها.

(1/194)







التوقيع

من القلب الى القلب بالحارث سيف نجران

رد مع اقتباس
 
   
   
 
قديم 12-26-2010, 01:15 AM رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
الاداره

الصورة الرمزية admin

إحصائية العضو






 

admin غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : admin المنتدى : تـــاريــخ وأنســــــاب
افتراضي

وتوجد الصخور الرملية في عسير وفي وادي الدواسر، وتشاهد في منطقة هذا الوادي تلال تتجه من الشمال إلى الجنوب، تقع إلى جنوب "الخماسين" وعلى ارتفاع "2200" قدم، يظهر أنها تكونت من الصخور "الأيولينية" "Aelian Sandstone" ومن حجارة "الكوارتس" الضخمة، وقد حوت مقدارا من "اكاسيد الحديد" أعطت هذه السلسلة لونا أحمر غامقا. ويتكون فتات هذه الحجارة على هيأة ألواح صلبة، وعند قطعها يلاحظ أنها تتكون من طبقات، ويمكن فصلها على أشكال ألواح، وقد تكونت على حافات هشه السلسلة وجوانبها أشكال طبيعية مدهشة أخاذة بتأثر فعل الرياح والرمال فيها. وتتكون أرض "قرية" من صخور كلسية، وهناك آبار قديمة تبلغ أعماقها تسعين قدما، حفرت في طبقات أرضية مؤلفة من حجارة الكلس، تتخللها طبقات من الحجارة الرملية غير أنها ليست ثخينة. أما أرض "بئر حما" التي يبلغ ارتفاعها زهاء أربعة آلاف قدم فوق سطح البحر، وتقع على الحافات الغربية للربع الخالي، فإنها مؤلفة من الحجارة الرملية الأيولينية الحمراء، وعلى مسافة "35" ميلا إلى الجنوب الغربي من "حما" موضع يقال له "بئر الحسينية" فيه بئر يبلغ عمقها "129" قدما، وقد حفرت في أرض فيها طبقات ثخينة من "الغرانيت". و تتألف اكثر الأرضين التي تمتد من هذا الموضع إلى نجران من حجارة "غرانيتية". وتظهر الحجارة الرملية في القسم الجنوبي والغربي من هذه المنطقة التي ترتفع زهاء "1500" قدم عن مستوى سطح الوادي الموصل إلى نجران، والذي يرتفع هو نفسه زهاء أربعة آلاف قدم عن سطح البحر. وتتألف مناطق واسعة من اليمن من حجارة رملية ومن الطبقات المترسبة "Sediments".

(1/195)


--------------------------------------------------------------------------------

قلت: إن هنالك مناطق في الحجاز مكونة من طبقات مترسبة تعد من أحسن الصخور والطبقات الأرضية، ملائمة للنفط والفحم، إن هنالك مناطق فيها صخور بركانية ونارية: وقد تكو ن أكرها بعد تغييرات كبيرة وممليات طويلة من ضغط هذه السلسلة الجبلية الطويلة التي تكون العمود الفقري لجزيرة العرب. وترتفع زهاء "9000 - 11000" قدم عن مستوى سطح البحر في اليمن على ما تحتها من طبقات.
ونجد مناطق واسعة من "اللابات" مبعثرة على طول هذه السلسلة، منها ما هو حديث التكوين. ويشاهد في الزمن الحاضر لسان بارز من "اللابة" في شرقي "أبي عريش" يمتد حتى يتاخم حدود اليمن،كما نشاهد مناطق أخرى مؤلفة من هذه الحجارة في مواضع عديدة بين "شقيق" و "خور البرك" مثلا حيث تصل "اللابة" إلى البحر الأحمر فتدخل فيه. وكذلك في شمالي "شقيق" عند "جهمة" حيث توجد بقايا بركان يكون جزيرة في البحر مقابل هذا الموضع.
وعلى مسافة اثني عشر ميلا من مكة جبل، يقال له جبل النورة، حيث تحرق حجارة الكلس المكونة له، لاستخراج النورة واستعمالها في البناء. وهذه الحجارة الكلسية هي من الطبقات المترسبة المتحولة. وهناك أماكن أخرى تكونت من هذه الحجارة، يشاهدها المار من جدة إلى موضع "مهد الذهب"، الذي تستغل ألان مناجمه، لاستخراج الذهب، وتتكون تلال مهد الذهب من الحجارة المترسبة التي تعرضت لتغيرات طبيعية عديدة، عليها طبقات من حجارة "البازلت" "Basalt".وفي حجارة المناجم خامات معادن متعددة، وتوجد حجارة "الكوارتس" "Quartz". وتوجد في منطقة الطائف صور "الغرانيت"، وفي نهاية هذه السلسلة الجبلية الطويلة التي تنتهي في اليمن تشاهد "لابات" الحرار وبقايا الحرار التي كانت تزعج اليمانيين، إذ هي قد تقذفهم حممها في يوم من الأيام فتسومهم سوء العذاب.

(1/196)


--------------------------------------------------------------------------------

وفي أرض، اليمن عدد كبير من الحرار، ذكر السياح بعضها، مثل حرة "أرحب"، وتقع شمالي "صنعاء" ولها لابة استخرج منها الناس حجارة سودا لبناء البيوت. وعلى مقربة من "ذمار" تكون الأرض بركانية. وتوجد الحرار في القسم الشمالي من "وادي أبرد"، وفي الوادي بين "صرواح" و "مأرب". وقد حمل بعض المستشرقين وجود الحرار في اليمن بهذه الكرة وعلى مقربة من المدن القديمة، على تفسير هلاك بعض المدن كراب "مأرب" و "حقة" و "شبوة" بتأثير هياج البراكين.
كذلك توجد مناطق حرار في العربية. الجنوبية، في عدن وحضرموت و عمان وفي الربع الخالي، وقد استعمل القدماء حجارة البراكين في البناء، ولا يزال الناس يستعملونها في البناء حتى اليوم، وقد وجد بين الحجارة المكتوبة عدد من صخور البراكين. وقد استغل الجاهليون بعض الحوار لاستخراج الكبريت منها، وذكر "نيبور" إن أهل اليمن كانوا يستخرجون الكبريت من جيل يقع في شرقي ذمار، ويظهر إن هذا الجبل بركان قديم.
وتتكون بعض هضاب اليمن من الصخور المتبلورة التي مرت في أدوار طويلة. ويرى العلماء أنها كانت في الأصل تحت سطح البحر، ثم ترسبت عليها طبقات ثخينة من المواد الرسوبية حتى تبلورت و تصخرت. وقد استعملها الجاهليون ولا تزال تستعمل في النوافذ، لتقوم مقام الزجاج. وهناك طبقة طباشيرية وطبقات من صخور رملية غذت المناطق المنخفضة، وهي تهائم اليمن، بالرمال. وكذلك المنطقة التي يقال لها الرمله. وتتكون التربة في تهامة وفي سهل صنعاء من المواد الصلصالية التي تعود إلى الأزمنة "الجيولوجية"، المتأخرة، ومن المتكونات "الأيولينية" التي حصلت بتأثير فعل الرياح في الصخور الرملية. ويكثر وجود الصخور المتبلورة في الحجاز وفي العربية الجنوبية كذلك. وتوجد الصخور والطبقات الرسوبية في اليمن وفي حضرموت وعمان، وقد وجدت في هذه المناطق علائم وجود البترول.

(1/197)


--------------------------------------------------------------------------------

والسواحل الشرقية لجزيرة العرب، أي السواحل الواقعة على الخليج، هي سهول، ولكنها سهول من الرمال في الغالب، ولهذا قلت فيها الزراعة، إلا في المواضع التي تتوافر فيها المياه الجوفية،وتتفجر عيونا،مثل الأحساء والقطيف. وهناك سباخ ومستنقعات ناتجة من انخفاض الأرض، جوها غير صحي. والبترول في القرن العشرين، هو الذي أغاث أهل هذه ا الأرض، وجلب لهم الثراء والمال الوافر والسيارات الفارهة وآلات التبريد ووسائل الترف والرفاهية، وبعث فيها الحياة بعد إن كانت خامدة خاملة.
وقد كانت حال هذه السواحل قبل الإسلام أحسن بكثير من حالها في القرن التاسع عشر إلى يوم استنباط البترول في القرن العشرين، بدليل ما نقروه في الموارد التاريخية من أسماء مواضع كانت مأهولة، زالت واندثرت، وأسماء قبائل كانت تنزل بها، اضطرتها أحوال قاهرة متعددة متنوعة إلى هجرها، فقل عدد سكانها بالتدريج.
وتعد البحرين من أكثف المناطق في جزيرة العرب. فان نسبة عدد سكانها بالقياس إلى مساحة أرضها عالية نسبيا قبل الإسلام وفي الإسلام. وسبب ذلك هو توافر الماء فيها، واعتمادها على استخراج اللؤلؤ من البحر و على صيد السمك الذي يقدم للأهلين المادة الأولى للمعيشة. و الماء غير عميق عن سطح الأرض وقد مون عيونا في بعض الأماكن و لهذه المميزات صارت موطنا للحضر قبل الإسلام بزمن طويل.
وفي جزيرة العرب خامات معادن، و من الممكن استغلال بعضها استغلالا اقتصاديا، و من هذه المعادن الذهب، و قد ذكر الجغرافيون العرب أسماء و مواضع عرفت بوجود خام الذهب بها، مثل موضع "بيشة" أو "بيش"، و قد كان به معدن غزير من التبر. و المنطقة التي بين القنفذة و "مرسي )حلج".

(1/198)


--------------------------------------------------------------------------------

و يظهر من المؤلفات اليونانية و من الكتب العربية أن المنطقة التي بين القنفذة و "عتود"، كانت معروفة بوجوج التبر فيها، فكان الناس يشتغلون هناك بأستحلاص الذهب منه، و لهذا رأى "موريتس" أن هذه المنطقة هي منطقة "أوفير" "Ophir" التي ورد ذكرها في التوراة على إنها تصدر الذهب.
و يشاهد في وداي تثليث على مقربة من "حمضة" و على مسافة 183 ميلا من نجران أثار التبر، ويظهر انه كان من المواضع التي استغلت قديما لاستخراج الذهب منها. وقد اشتهرت ديار بني سليمبوجود المعادن فيها، وفي جملتها معدن الذهب، ويستغل اليوم الموضع الذي يقال له "مهد الذهب"، ويقع إلى الشمال من المدينة باستخراج الذهب منه، وتقوم بذلك شركة تستعمل الوسائل الحديثة، تحرت في مواضع عديدة من الحجاز الذهب والفضة ومعادن أخرى، فوجدت أماكن عديدة، استغلت قديما لاستخراج "التبر" منها، ولكنها تركتها لعدم يمكنها من الحصول على الذهب منها بصورة تجارية، تأتيها بأرياح حسنة، واكتفت بتوسيع عملها في "مهد الذهب"، لأنه من أغزر تلك الأماكن بخام الذهب، وظلت تنقب به إلى إن تركت العمل فيه، وحلت نفسها، وتركت كل شغل لها بالتعدين.
وقد ذكر الكتبة اليونان إن الذهب يستخرج في مواضع من جزيرة العرب خالصا نقيأ، لا يعالج بالنار لاستخلاصه من الشوائب الغريبة ولا يصهر لتنقيته. قالوا ولهذا قيل له "ابيرون" "Apyron". وقد ذهب "شرنكر" إلى إن العبرانيين أخذوا لفظة "أوفير" من هذه الكلمة.

(1/199)


--------------------------------------------------------------------------------

وقد عثرت الشركة في أثناء بحثها عن الذهب في "مهد الذهب" على أدوات استعملها الأولون قبل الإسلام في استخراج الذهب واستخلاصه من شوائبه، مثل رحى وأدوات تنظيف ومدقات ومصابيح، وشاهدت آثار القوم في حفر العروق التي تكون الذهب، وأمثال ذلك مما يدل على إن هذا المكان كان منجما للذهب قبل الإسلام بزمن طويل، ولعله من المناجم التي أرسلت الذهب إلى "سليمان"، فأضيف إلى كنوزه، على نحو ما هو مذكور في التوراة.
ويظن بعض الباحثين إن منجم "مهد الذهب" هو المنجم الذي كان لبني سليم، فعرف باسمهم وقيل له: "مدن بني سليم"، وقد وهبه الرسول إلى بلال بن الحارث.
وعرفت "أرض مدين" وما والاها من الأرضين في شمال "وادي الحمض"، بوجود التبر فيها. واستخراج الناس له هناك قبل الجلاد بمئات من السنين. وتوجد آثار المناجم التي كانت تستغل مبعثرة في مواضع عديدة حتى اليوم.
وتوجد خامات معادن أخرى فيء الحجاز منها الكبريت والنحاس والقصدير والحديد، وتستخرج الأملاح من الصخور الملحية التي في الحجاز وفي عسير عند جيزان، ويستخرج الأهلون منها مسحوقا لاستعماله في عمل المفرقعات كما إن هنالك مثل هذه الصخور المحلية في السلف من اليمن. ويمكن الاستفادة من هذه الأملاح فائدة كبيرة من الوجهة الاقتصادية حيث تدخل في كثير من الصناعات.

(1/200)


--------------------------------------------------------------------------------

وفي منطقة "راج" توجد رواسب "البارايت" "Barite"، وتدل البعوث الأولية على أنه من الممكن استخراج عشرة آلاف طن من "البارايت" في كل عام. وتدل الدلائل على إن هنالك منجما قديما في منطقة "رابغ" كان يستغل لاستخراج "الكالينه" "Galena"، غير إن النماذج التي فحصت فحصا أوليا دلت على إن هذه الماسة قليلة فيها. ويظهر إن هناك كميات كبيرة من تراب الحديد في "العقيق" على مقربة من "مهد الذهب" كما شوهدت خامات المعادن في موضع "برم" جنوب الطائف وفي موضع "نفى"، ولا يستبعد العثور على البترول في الحجاز في المواضع المتكونة من الطبقات المترسبة "Sedimentary Formation"، وتوجد في الحجاز الرمال التي تصلح لصنع الزجاج.
وتستغل أرض الأحساء في استخراج "البترول"، ويكثر وجود البترول في العروض حيث حفرت الآبار في الكويت والبحرين، وتدل الدلائل على وجوده في قطر لوممان، كذلك دلت التحريات على وجوده في حضرموت في منطقة "شبوة" وفي المناطق وراء شبوة إلى داخل جزيرة العرب، حيث يحتمل العثور على مناجم للذهب كذلك. ويجري البحث عن البترول في محمية "عدن" وفي اليمن.

(1/201)


--------------------------------------------------------------------------------

ودلت التقارير الأولية على وجود الفحم في حضرموت في منطقة "شبوة"، وتوجد الصخور المحلية مترسبة في بطن طبقات الأرض يقتطعها الأهلون، وتستغل في الأعمال التجارية، كذلك توجد هذه الصخور الملحية في اليمن، وقد تكونت بفعل العوامل "البيولوجية" والضغط المتواصل، فتحجرت بمرور آلاف السنين عليها، وتكمن تحت سطح الأرض في بعض الأماكن حيث تحفر جوانب التلال للوصول إلى قلب مناجم الملح المتحجرة، وقد يفتت باستعمال المواد المتفجرة "الديناميت"، وتستخرج صخوره من بعض المناجم صافيه بيضاء كأنها البلور.مثل الملح المستخرج من "جبل الملح" بمأرب، فإن ملحه كما يقال صاف كالبلور. وتشتهر "السلف" بوجود مناجم ملح فيها، تقع على مسافة أربعين ميلا إلى الشمال من الحديدة. وتوجد في جزيرة "قمران" المقابلة هذا الموضع مناجم ملح، وكذلك في "اللحية".
وإلى وجود مثل هذه الصخور الملحية في كثير من أنحاء جزيرة العرب، يجب أن يعزى ظهور قصص بناء القصور من الملح المنتشرة في كتب التأريخ و الأدب.
ولما كانت أرض اليمن وأكثر الأنحاء الأخرى من الجزيرة، لم تفحص حتى الآن فحصا فنيا، ولم تطأها أقدام الخبراء، فمن الصعب التحدث عن مواطن المعادن فيها، وعن أنواع التربة، وأثرها في الحضارة الجاهلية.
وقد وجدت مصنوعات حديد في اليمن، عثر عليها في الخرائب والآثار والأماكن العادية، كما اشتهرت اليمن بسيوفها، في الجاهلية وفي الإسلام، غير أننا لا نعرف الآن المواطن التي كانت تستغل لاستخراج الحديد منها، وقد ذكر الرحالة "نيبور" انه كان في " صعدة" منجم، يستخرج منه الحديد، وأن أماكن أخرى كانت تستغل لإنتاج هذه المادة.

(1/202)


--------------------------------------------------------------------------------

وذكر "الهمداني" من معادن اليمن الذهب والفضة، وقال: انه كان يستخرج من "الرضواض" ولا نظير لفضه، والحديد، وكان يستخرج من "نقم" و "غمدان" و "فصوص البقران"، وتستخرج من جبل أنس. و "فصوص السعوانية" وتستخرج من "وادي سعوان" جنب صنعاء، وهو فص أسود فيه عرق أبيض ومعدنه بشهارة وعيشان من بلد حاشد إلى جنب هنوم وظليمة والجمش من شرف همدان، وحجر "العشاري"، وهو الحجر العشاري من عشار بالقرب من صنعاء، والبلور، والمسنى الذي تعمل منه أنصاب السكاكين والعقيق الأحمر، والعقيق الأصفر من الهان والجزع الموشى والمسر، والشزب تعمل منه ألواح وصفائح وقوائم سيوف وأنصاب سكاكين ومداهن وقحفة وغير ذلك. وعرفت اليمن بعقيقها الذي يقال له "عقيق يماني" و "حجر يماني" وهو "الجزع" "Onyx".
وقد بقيت بعض المواضع المذكورة تستغل معادنها في الإسلام، إلا إن تغير الوضع في جزيرة العرب في الإسلام وهجرة كثير من القبائل إلى البلاد المفتوحة، ووجود صناعات فيها ومعادن أثمانها أرخص من أثمان معادن الجزيرة، ثم تقدم العالم بعد ذلك وظهور الثورة الصناعية، كل هذا وأمثاله أثر في وضع التعدين وفي صناعة المعادن في جزيرة العرب، فدثرها، أو تركها مشلولة لا تعمل إلا في حدود مرسومة ضيقة وفي مجال محلي.

(1/203)







التوقيع

من القلب الى القلب بالحارث سيف نجران

رد مع اقتباس
 
   
   
 
قديم 12-26-2010, 01:17 AM رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
الاداره

الصورة الرمزية admin

إحصائية العضو






 

admin غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : admin المنتدى : تـــاريــخ وأنســــــاب
افتراضي

وليست دولة الحيوان في جزيرة العرب دولة ضخمة عظيمة، وكيف تكون ضخمة وأكثر أرض الجزيرة عدو للحيوان ولكل ذي روح? والجمل هو الحيوان الأليف الوحيد الذي استطاع بعناده وبصلابته على السير بجبروت و بتبختر فوق رمال الصحارى، غير عابىء بالرياح العاتية التي تذرو الرمال في الأعين، وتنقل أكواما منها معها، تكفي لدفن الجمل ومن عليه أو من معه ومع ذلك فإن هذا الحيوان للصبور العنيد. لم يتوفق أيضا في تحطيم جبروت البوادي في كل مكان، فظل ت بعضها أرضا حراما عليه وعلى السابلة،تحطم من يريد التجاوز عليها والاعتداء على استقلالها، بأن تميته عطشا، فتفتح ذرات رملها الناعم، وعندئذ تغوص قوائم الجمل فيها فيبقى في مكانه حتى ينفق.
والجمل، هو أيضا من اقدم الحيوانات التي سمعنا بها عند العرب، وأعزها. وقد صور في النصوص الاشورية، عند ذكر معركة "قرقر" ومعارك أخرى، وقعت بين العرب والآشوربين. و طبيعي إن يقرن الجمل بالبادية، وأن يجعل رمزا لها، فليسن لحيوان آخر القدرة على اجتياز البوادي واختراقها ونحمل مشقاتها وعطشها مثل الجمل. ثم انه مركب العرب، يحملهم، ومحمل تجارتهم وماءهم،وهو ممولهم بالوبر لصنع البيوت حتى قيل للأعراب "أهل الوبر" ومنه يصنعون أكسية عديدة. ولبن الإبل، هو لبن أهل البادية، وإذا احتاجوا إلى لحم، ذبحوا الجمل، فأكلوه، وأفادوا من جلده.
والجمل ثروة، والثري العربي هو من يملك عددا كبيرا من الإبل، وتقدر ثروته بقدر ما يملكه منها. وقد كان الجمل مقام "النقد"، أي مقام الدينار والدرهم في الغالب، فبعدد من الإبل يقدر مهر الفتاة، وبعدد من الإبل تفض الديات والخصومات. وهكذا يتعامل به كما نتعامل اليوم بالنقود.

(1/204)


--------------------------------------------------------------------------------

ويرى العلماء إن الإنسان ذلل الجمل حتى صيره أليفا مطيعا له في الألف الثانية قبل الميلاد. وقد ذهب بعضهم إلى إن العربية الشرقية كانت الموطن الذي ذلل فيه هذا الحيوان في الشرق الأدنى، استدلوا على ذلك بإطلاق العراقيين القدماء على الجمل اسم "حمار البحر"، وقالوا إن قصدهم من "البحر" الخليج، وأن لفظة "الجمل" "جملو" "كملو" في "الأكادية" إنما وردت من بادية الشام، ومعظم سكان البادية هم من العرب، وقد كانوا يستعملون الجمل استعمال الناس للسيارات ولوسائل الركوب في هذا الزمن. وقد استعملوه في الألف الثانية قبل الميلاد،فدخوله من البوادي إلى العراق هو دليل على إن العرب كانوا قد استخدموه أولا ومنهم انتقل إلى العراق والبلاد الأخرى.
ويرى "البريت" إن البداوة الحقيقية على في ما نعرفها اليوم من السكنى في البوادي والتنقل فيها من مكان إلى مكان، لم تظهر في جزيرة العرب إلا في أواخر النصف الثاني من الألف الثانية قبل الميلاد، وذلك بتذليل الإنسان للجمل وبترويضه له لخدمة أغراضه، ففتح له بذلك أبواب البوادي، وتمكن من التوغل فيها واجتيازها بفضل جمله خادمه المطيع. أما ما قبل الجمل، فقد كان العربي لا يستطيع اجتياز البوادي واختراقها لأن حماره الذي كان واسطة الركوب عنده، لا يتحمل ولوج البادية، ولا يستطيع إن يعيش فيها، وأن يصبر عن شرب الماء أو الأكل صبر الجمل، لذلك كان عرب الجزيرة في الألف الثانية، وقبل وقت تذليل الجمل رعاة في الغالب، وسائط ركوبهم الحمير، ولم يكونوا قد طرقوا البوادي أو توغلوا فيها توغل العرب أصحاب الوبر فيما بعد.

(1/205)


--------------------------------------------------------------------------------

فالجمل أذن هو الذي فتح لأهل جزيرة العرب آفاق البوادي، ووسع البداوة عندهم، حتى جعلها عالما خاصا يقابل عالم الحضارة في الجزيرة. وهو الذي صار لهم واسطة لنقل الأموال بالطرق البرية الطويلة التي تربط أجزاء الجزيرة بعضها ببعض، و تربط طرق الجزيرة مع الطرق الخارجية. و بفضل الجمل القادر على تحمل العطش و الصبر على الجوع، و على تحمل الصعاب صار في امكان العرب التنقل إلى مسافات بعيدة من الجزيرة و حمل أثقاله معه. فأستخدم العرب له هو في الواقع ثورة كبيرة في ذلك العهد بالنسبة إلى وسائط النقل و الحمل و في عالم التجارة و الاقتصاد. و من حق العربي إذا ما عبر عن الغنى إن يعبر بكثرة ما عند الإنسان من إبل.
وقد عرف الجمل بوجود غزيرة الانتقام فيه، و بعدم نسيانه أذى من يؤذيه، لذلك زعم أنه يبقى حاقدا على المسيء إليه حتى ينتقم من و لو بعد زمن طويل, و يظن بأنها من فعل "كمل" "جمل" "كامل" "جامل"، أي انتقم، مع أنها تعني "حمل" أيضا. و قالوا إن معنى " الجمل" "المنتقم" وقالوا إنه سمي بذاك لأنه حيوان منتقم. ومن ثم وصف "أرسطو" و "أربان"، الجمل بأنه حيوان لا ينسى الأذى، سريع الانتقام. وقد يكون لأقوالهما ولأقوال غيرهما في الجمل دخل في تكون هذه الفكرة عنه عند الناس حتى اليوم.
الجمل المعروف في جزيرة العرب، هو الجمل ذو السنام الواحد. وهناك نوع من الجمال يقال للواحد منها "الهجين"، وهو الجمل المضرب، ويكون أصغر حجما من الجمل العربي الأصيل، إلا أنه أسرع عدوا منه. وقد عد الجمل عند للعبرانين من موارد الثروة والغنى كذاك، ولذلك عد "أيوب" من أغنياء زمانه لأنه كان يملك ألفي جمل، وعد "المديانيون" "أهل مدين" وهم من العرب، أغنياء، لأنهم كانوا يملكون عددا كبيرا من الجمال.

(1/206)


--------------------------------------------------------------------------------

وللجمل في العربية أسماء كثرة. أما في العبرانية وفي اللغات السامية الأخرى، فلا نجد فيها مثل هد الكثرة. ويقال للجمل "كمل" و "بكرة".ويراد ب "كمل" الجمل. أما "بكرة" فالجمل الصغر. والجمل من أقدم الحيوانات المذكورة في التوراة، وذكر أنه كان لإبراهيم عدد كبير من الجمال. وبالرغم من اشتهار جزيرة العرب بجمال خيلها، وبتربيتها لأحسن الخيل، وبتصديرها لها. فإن الخيل في جزيرة العرب إنما هي من الحيوانات الهجينة الدخيلة الواردة عليها من الخارج، ولا ترتقي أيام وصولها إلى الجزيرة إلى ما قبل الميلاد بكثير. قيل إنها وردت إليها من العراق. ومن بلاد الشام، أو من مصر، وإن وطنها الأصلي الأول هو منطقة "بحر قزوين". وهذا لا تجد في الكتابات الآشورية، أو في "للعهد القدم" أو في المؤلفات "الكلاسيكية"، إشارات إلى تربية الخيل في جزيرة العرب،أو استعمال العرب لها في حلهم وترحالهم وفي حروبهم.

(1/207)


--------------------------------------------------------------------------------

وقد بقي العرب إلى ما بعد الميلاد، بل إلى ظهور الإسلام، لا يملكون عدسا كبيرا من الخيل. وفي غزوات النبي ومعاركه مع المشركين، كان عدد الخيل التي اشتركت في المعارك محدودا معدودا، مع أنها كانت مهمة جدا وعدة حاسمة في إحراز النصر. وذلك بسبب قلتها إذ ذاك، وعدم تمكن كل الناس من اقتنائها، إلا من كان موسرا منهم، أو في حال حسنة. فقد كانت تكاليف الخيل، كثيرة لا يتحملها إلا ذوو الدخل الحسن، فالخيل في حاجة إلى عناية ورعاية، وطعامها للمحافظة على صحتها يكلف باهظا. فلا بد من تقديم الحشائش والحبوب لها ثم إن مجال استعمالها في البادية محدود لأنها لا تستطيع تحمل جوع الصحراء وعطشها تحمل الجمل، كما أنها لا تستطيع السير في رمال البوادي المهلكة المتعبة مسافات بعيدة هذا لم يقبل الأعرابي العادي على شرائها أو تربيتها في تلك الأيام، فصارت من نصيب أهل اليسر والحال الحسنة، يمتلكها ويعتني بها من يملك السيارات في هذه الأيام. كثرتها عند الرجل علامة على ثراء ووجاهته بين الناس.
ونظرا لسرعة الخيل وخفتها في الكر والفر، صارت أهم سلاح لنجاح الغرو وإلحاق الأذى بالعدو، يغير عليها المغير فيباغت خصمه بهجوم سريع خاطف، فيربكه، وهذا أخذت القبائل، ولا سيما القبائل الساكنة في مضارب قريبة من الأرياف ومن الحضر، تشتري الخيل وتعتني بها للمحافظة على حياتها في الدفاع والهجوم. وعدت القبائل القوية، هي التي تملك عددا كيرا من الخيل، وصار للفارس مقام خطير في ذلك الزمن، لشجاعته وصبره في الدفاع عن مواطنيه، فهو بمثابة "الكومندو" في هذه الأيام.
واستعملت الخيل للتسلية واللهو واللعب، فتسابق على ظهورها الفرسان في حلبات السباق، وتراهن الناس على السابق، ولعب الفرسان بعض الألعاب: ألعاب الفروسية وخرجوا على ظهورها للصيد، فالصياد للراكب، أقدر من الصياد الراجل على مطاردة الصيد.

(1/208)


--------------------------------------------------------------------------------

وفي القرآن ذكر للخيل كمصدر من مصادر القوة، يرهب بها المسلمون أعداءهم ومصدر من مصادر الثروة، ومصدر من مصادر الزينة وبهجة الحياة الدنيا. وفي الحديث ذكر لها كذلك وثناء عليها. وعدت الخيول من الحيوانات الشريفة الرفيعة في التوراة، وصورت على شكل خيول من نار فيها، تهبط على أعداء الرب لتنزل بهم الهلاك والدمار.
أما البغال، فإنها من الحيوانات المعروفة بتحملها للمشقات، وقدرتها على السير في المناطق الوعرة، مثل الهضاب والأرضين المتموجة والجبال. وقد استعملت في الحمل وفي الركوب،وهي تؤدي خدمات في هذه المناطق يعسر على الجمل القيام بها، وقد يعجز عنها. أما هي، فإن من الصعب عليها العمل في البوادي ذات الرمال، كما أنها لا تستطيع الصبر صبر الجمل على تحمل الجوع والعطش أياما متوالية عديدة، لذلك لم يقبل عليها آهل البادية، ولم يعتنوا بها.
وقد حرم قدماء العبرانيين على أنفسهم تربية البغال، و أول من أباح ذلك وجوز لهم استعمالها هو "داوود"، ومنذ ذلك الحين،أقبلوا على تربيتها والاستفادة منها في أرض فلسطين. ويظهر إن قدماء العبرانيين لم يكونوا يعرفون البغال، فلما وجدوها عند أمم وثنية غريبة عنهم، كرهوا استعمالها فحرموها على أنفسهم، حتى انتبه "داوود" لفائدتها ومنافعها، فاستعملها، ثم قلده في ذلك بقية العبرانيين بالتدريج.
ويظهر إن البغال لم تكن كثيرة الاستعمال في جزيرة العرب حتى ظهور الإسلام. فقد ورد في كتب السهر إن "دلدلا"، بغلة النبي، "أول بغلة رئيت في الإسلام أهداها له المقوقس، وأهدى معها حمارا يقال له عفير". وورد أيضا: "أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بغلة شهباء فهي أول شهباء كانت في الإسلام". وورد: "أهدي فروة بن عمرو إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، بغلة يقال لها فضة".

(1/209)


--------------------------------------------------------------------------------

وورد في القرآن الكريم: "والخيل والبغال والحمر لتركبوها وزينة.."، مما يدل على إن من الناس من استعمل البغال للركوب وللزينة. قد كان من الأشراف والوجهاء من يتخذ البغال للركوب في الطرق الوعرة. أما من هم دونهم في المنزلة، فكانوا يتخذون الحمير.
وقد ورد في شعر ل "بشر بن أبي خازم الأسدي" ما يفيد إن البغال كانت معروفة في بعض المواضع، وأن أبولها كانت تترك وقيعا أي أثرا على الأرض. والظاهر انه قصد بعض الأرضين الوعرة التي كان من الصعب على غير البغال السير بها، وذلك مثل بلاد اليمن التي كانت تستعمل البغال للركوب وترفع الأثقال.
والحمير هي أول واسطة للركوب وللحل عند الحضر وأهمها، هي للحضري مثل الجمال للبدوي، وهي مركب مربح لا يسبب ازعاجا، ولا سيما إذا كان اتانا، لأنها أهدأ وآمن من العثار. هذا، إلى أنها صبور تتحمل المشقات، ولعل صبرها وتحملها وسكوتها عند ضربها، قد حمل كل الناس على وسمها بالبلادة. فشبه البليد بالحمار، فإذا أريد تعبير شخص بالبلادة وعدم الفهم قيل إنه "حمار". ليس ذلك عند العرب وحدهم، بل عند غيرهم من الشعوب القريبة منهم مثل العبرانيين، والبعيدة عنهم فشهرة الحمار بالبلادة شهرة عالية. ويقال للحمار "حامور" "Hamor" في العبرانية. أما الأنثى، فإنها "أتون" "Athon" أي "أتان" في العربية. و أما الحمار الصغير، وهو ما يقال له "الكر" أو "الجحش"، فإنه "عير" "Ayir" في العبر انية.
ويظهر من ملاحظات بعض الباحثين إن الحمار في جزيرة العرب هو اقدم عهدا من الجمل ومن الخيل والبغال، إذ كان واسطة الركوب والتنقل في اوائل الألف الثانية قبل الميلاد. فلما حل الجمل محله خفف من واجباته وأعماله، وصار عند العرب في منزلة هي دون منزلة الجمل بكثير.

(1/210)


--------------------------------------------------------------------------------

والبقر من الحيوانات القديمة في بلاد العرب، وهي من الحيوانات الملازمة لأهل الحضر في الغالب، ولا سيما لأهل الريف، أما الأعراب فإن استفادتهم منها غير ممكنة وتكاليفها كثيرة بالنسبة إليهم، ثم إنها لا تستطيع تحمل طبيعة البادية، لذلك لم يقبلوا عليها، ولم يعتنوا بتربيتها، بل ربما نظروا إلى أصحابها نظرة ازدراء وعدم احترام. و يستفاد من ألبانها ومن لحومها وجلودها، كما يستفاد منها في حرث الأرض، وفي سحب الماء من الآبار، وفي جر العربات. وقد عثر على ألواح مكتوبة بالمسند وعليها صور ثيران تقوم بحراثة التربة لتهيئتها للزرع.
والأغنام، هي المادة الرئيسية لتموين الناس باللحوم والصوف. تربى في كل أنحاء جزيرة العرب، ويستفاد من ألبانها كذلك. أما "المعز" فيربى في المناطق المتموجة، أي ذات التلال، وفي الأرضين الجبلية بصورة خاصة. ويستفاد منها مادة للحوم وللحليب وللجلود، ويستعمل شعرها للخيام السود المصنوعة من شعرها في تلك الأزمنة. ولكن هذه الأنواع من الماشية،لا تستطيع العيش في البادية، لذلك كانت من نصيب أهل المدن وحدهم. أما أهل الوبر الضاريون في البادية فإن ماشيتهم الوحيدة الإبل.
وعرفت جزيرة العرب الأسد، الذي قل وجوده فيها في الإسلام، ويظهر من كثرة أسمائه في اللغة ومن ورود اسمه في الشعر الجاهلي، أنه كان كثيرا فيها، وقد اشتهرت أماكن خاصة منها يكثرة أسودها حتى قيل لها "مآسد" والواحدة "مأسدة". ومن هذه الأماكن "عثر"، واليها نسبت "أسود عثر"، و "عتود" وهي قرية نسبت إليها الأسود كذلك. وقد عرف الأسد بشدة بطشه وبقوته وبسيادته على سائر مملكة الحيوان في القوة، ولهذا لقبوا الشجاع الذي لا يقهر أسدا.

(1/211)







التوقيع

من القلب الى القلب بالحارث سيف نجران

رد مع اقتباس
 
   
إضافة رد

   
 
مواقع النشر (المفضلة)
 
   

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
التقرير المفصل الأول لمجلس القبيلة بالمنطقة الشرقية. متروجانا مجلس قبيلة بالحارث 55 09-05-2012 11:38 PM
أفضل ما صنع الغرب عن الإسلام,,,‏ جي اى سي الصور والفيديو 1 11-26-2010 05:54 PM
أصلُ العرب" في الفصل الأول لشبة جزيرة العرب"< AbersabeelN تـــاريــخ وأنســــــاب 2 12-18-2009 10:42 PM
الدعوة إلى الله في نظر الإسلام الود طبعـ راشد ـي المنتدى الثقافي والتعليمي 1 09-22-2009 04:53 PM
رحلة الإسلام في الم**يك!! الود طبعـ راشد ـي المنتدى الثقافي والتعليمي 2 09-16-2009 04:28 AM


   
 
 
 
   

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



مواقع صديقه


الساعة الآن 03:32 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات
حقوق الطبع محفوظه لمنتديات بالحارث سيف نجران