هناك صورٌ لايمكن أن تختلف على مدى مصداقيتها، حتى لو كانت النظرة الأولى، وهناك مشاهد من المستحيل أن تختلط عليك الأمور، وأنت تتابعها من بُعد أو حتى تحاول أن تنغمس فيها، مدافعاً عن إحساس فوضوي قد يدفعك إلى الشك في صدقية هذا المشهد!
ولكن لماذا نحكم دائماً من الوهلة الأولى؟ قد يعترض البعض ويقول أحياناً يتم الحكم لأنه مستحق، وأحياناً أخرى لا يكون صادراً من الجلسة الأولى عند البعض الذين وإن رأوا الصورة على حقيقتها إلا أنهم اعتادوا التروي وعدم الاستعجال، أو مسايرة الأحكام السريعة.
في المحصلة الصور الواضحة، والتي لا تحمل خلفياتها من السهل الحكم عليها رغم أن هذا الأمر يحتمل الاعتراض، لأن الزوايا في العادة تُعطي الوجه الآخر، ولأن ما وراء الصورة فيه الكثير من الحقائق، ولا يخضع لمقاييس اعتيادية!
طبيعة الحياة، وطبيعة البشر تمنحان المشهد الواحد صوراً متعددة ورؤى مختلفة لدى البعض قد تكون غير قابلة للنقض، ولكن تلك الفئة التي لا تحمل رضاها يظل المشهد لديها مختلطاً كتداخل المواقع، أو غياب الملامح!
بل قد تلجأ إلى توسيع المدى، لتغييب المشهد كاملاً عن حقيقته وكأنها تبحث جيداً عن من يحمل المسؤولية المطلقة عن هذه الصورة المشوشة!
وقد ترش سموم الشك رغم اليقين الذي يتزاحم بمفرداته الطاغية أمامها!
آفاق مسدودة تتسع ولا يبدو انعكاس لانفتاحها أمامهم هكذا هي الرؤية للمشهد، وللصورة.
يتسع البحر ولكن عند شرح مغزاه يبدو كبحيرة راكدة لاتعرف الماء الأزرق أو الحياة المتحركة.
يتسع البحر، ويبدو لامدى أمام نظرتك المرسلة نحوه، ولكن يقف هو ويحسر نظرته في الأمتار القليلة ليقول إن هذا البحر ليس كذلك البحر، وإن زرقته غائبة، رغم انها تشع، وأن أمواجه متوقفة، رغم انطلاق صوت صخبها.
اعتاد أن يمارس إسكات الأصوات المنطلقة، والباحثة عن الحياة ليس لشيء، ولكن لأن ثمة مغالاة في عدم الفهم، أو التحقق من الأشياء الواضحة والتي من غير الممكن أن تعجز عن صياغتها، أو ترجمة مفرداتها!
غرابة الفكرة تنطلق من أن الغايات تختلف تماماً من الطرفين من يريد أن يحدد الصورة كما هي عليه، أو بحيادية، أو دون تأثر، ومن يقرأ المشهد بطريقة تستدعي تحويل الألوان إلى حجارة مبعثرة عليك أن تدوسها بقدميك.
بين من هو ثابت في تفكيره، وتأمله، وغير متحامل، وملتمس للأعذار دوماً، وباحث عن القيمة الإنسانية، حتى وإن اندفع في المناقشات بحدة، لكن لا يفقد اتزانه، ولا يلجأ لقاعدة التهميش، أو يفتح بنك الإهانة، الذي يظل من يتعامل معه بالغ الغموض والتعقيد.
وهناك من هو أناني في حكمه، بخيل في نظرته، قاس في أحكامه لا يعنيه أن يسعى إلى الحقيقة أو المعرفة، أو يجاهد من أجل أن يعرف ما لم يعرف، أو ما ينبغي عليه أن يعرفه، يبدو كالعدو غير المدرك لعنفه غير المبرر، وأحياناً كالساذج الذي يخطئ حتى حيال نفسه، وفي النهاية يخسرها مع الآخر!
هو مشهد واحد قد تكون الرؤية له مختلفة من شخص إلى آخر ومن جماعة، إلى أخرى، لكن تظل هذه الأحكام منطلقة من مكونات كل بيئة، أو مجتمع أو نفسية أو ثقافة، أو فكر ينتمي إليه من يحكم، ويظل الحكم متناقضاً في الغالب وكأن كل طرف يبحث عن طريق ليس هو الطريق المرسوم في الصورة..