أما حدها الغربي، فهو البحر الأحمر كما يسمى في الخارطات الحديثة المعروف باسم "الخليج العربي" "Sinus Arabicus" في الخارطات اليونانية واللاتينية، و ب "بحر القلزم" في الكتب العربية. أما العبرانيون، فقد أطلقوا عليه. "ه - يم" "هايم" "اليم"، ومعناه اللغوي: "البحر" من "يم" "يام" بمعنى "بحر" و "ها" أداة التعريف التي هي في مقام "ال" في العبرانية،وذلك بصورة عامة، و "يام سوف Yam Suph" بصورة خاصة، وب "سوف" و "سوفة" أحيانا. وقد فسر "البيضاوي" لفظة "اليم"، الواردة في القرآن الكريم بهذا البحر، أي البحر الأحمر. وقد أريد ب "Mare Rubrum" البحر الأحمر أيضا.
و شكل البحر الأحمر، شكل يلفت النظر، يظهر و كأنه خسط منظم ممتد من الشمال نحو الجنوب على هيأة ثعبان منتصب ذي قرنين. أما باقي جسمه، فإنه البحر العربي. أما هذا الثعبان، فقد كان أرضا في الأصل، خسفت على هذه الصورة في الزمن للثالث من الأزمنة الجيولوجية، فابتعدت بذلك بلاد العرب عن أفريقية، إلا من ناحية الشمال، حتى لا تكون هناك قطيعة تامة، وارتفعت بذلك السواحل الغربية، نتيجة انخساف الأرض، فسالت إلى الأرض المنخسفة مياه البحر العربي، ولو تم الخسف، وامتد إلى "طور سيناء" فشطرها، لما كانت هناك حاجة إلى قيام الإنسان فما بعد بإتمام العمل الذي لم تكمله الطبيعة، وهو إيصال البحر الأحمر إلى البحر الأبيض بقناة السويس.
(1/150)
--------------------------------------------------------------------------------
وهناك من يرى إن البحر الأحمر كان بحيرة في الأصل، وكانت إفريقية والعربية الجنوبية قطعة واحدة عند جنوب هذه البحيرة، أي عند ما يسمى ب "مضيق باب المندب" في الزمن الحاضر، ولكن خسفا وقع، أدى إلى انفصال إفريقية عن العربية الجنوبية الغربية، فاتصل المحيط الهندي بالبحيرة، وتكون البحر الأحمر. وقد كان الناس قبل وقوع هذا الانفصال يتنقلون برا وكأن إفريقية وجزيرة العرب قطعة أرض احدة، ومن هنا كانت الهجرات. أما خليج العقبة، فقد عرف ب "خليج أيلة" و ب "خليج الأيلانيين"، "Sinus Aelanties" "Sinus Aelanticus" في الكتب الكلاسيكية، نسبة إلى مدينة "أيلة" المسماة "ايلات" "Elath" و "ايلوت" "Eloth" عند العبرانيين. وهي مدينة مهمة من مدن "أدوم" "الأدوميين". و أما "خليج السويس" فقد عرف ب "Sinus Heroopolites" " Sinus Heroopoliticus " عند اليونان واللاتين.
ويحصن مناطق و اسعة من ساحل جزيرة العرب على البحر الأحمر صخور مرجانية تفتك بالسفن التي تتجاسر فتتقرب منها، في تلك المواضع لتحمي الساحل من وصول الأجانب إليه. و لكنها أضرت سكانه من ناحية أخرى، إذ جعلت الملاحة صعبة في هذه الأماكن، فقلت بذلك الاستفادة من الاتجار بالبحر، و قللت أيضا من عدد الموانئ الصالحة لرسو السفن على هذا الساحل. و هناك جزر متفرقة تقابل الساحل، أكثرها مهجور، و بعضها قليل السكان، و معظمهم خليط من دم إفريقي أسود ومن عرب، عاشوا في الجاهلية وفي الإسلام على التعرض للسفن بالغزو وعلى الصيد.
(1/151)
--------------------------------------------------------------------------------
ويرى بعض الباحثين إن البحر الأحمر لم يكن وحده نتيجة خسف أصاب بلاد العرب، ففصلها عن إفريقية إلا من جهة "طور سيناء"، بل إن سواحل بلاد العرب الأخرى، أي السواحل الجنوبية والسواحل الشرقية، تعرضت هي أيضا لهزات عديدة، فخسفت في مواضع عديدة مثل "عدن"،حيث تكون خليج عدن، ومثل الخليج العربي، وكانت هذه الهزات والتصدعات استجابة لتصدع واهتزازات حدثت في الشمال على مقربة من حدود بلاد الشام، فامتدت إلى وادي الأردن والبحر الميت فوادي عربة إلى خليج العقبة. وهكذا تعرضت جزيرة العرب في عصور سحيقة في القدم قبل الميلاد لهزات و تحركات أرضية، حتى جعلتها على الشكل الذي نراه عليه ألان.
(1/152)
--------------------------------------------------------------------------------
وحدها الشمالي خط وهمي يمتد في اصطلاح العلماء العرب من خليج العقبة حتى مصب شط العرب في الخليج العربي، فيكون النفوذ الشمالي من الحدود التي تفصل الهلال الخصيب عن جزيرة العرب. أما من الناحية "الجيولوجية"، فإن باطن الهلال وحدة لا يستطيع فصلها عن تربة الجزيرة، وجزء لا يختلف من حيث طبيعته الصحراوية و خواصه عن سائر أنحاء بلاد العرب. وأما من الناحية التاريخية، فإن هذا الخط الوهمي المتصور، هو وهم وخطأ، فقد سكن العرب في شمال هذا الخط قبل الميلاد بمئات السنين. سكنوا في العراق من ضفة نهر الفرات الغربية، و امتدوا في البادية حتى بلغوا أطراف الشام. وسكنوا في فلسطين طور سيناء، حتى بلغوا ضفاف النيل الشرقية. وهي أرضون أدخلها الكتبة القدامى من يونان ولاتين وعبرانيين وسريان في جملة مساكن العرب ودعوها ب "العربية" وب "بلاد العرب"، لأن اغلب سكانها كانوا من العرب، حتى ذهب بعض علماء "التوراة"، إلى إن "بلاد العرب" في التوراة هي مواطن "الإسماعيليين Ishmaelite" و "القطوريين Ksturaean"، أي البوادي التي نزلت بها القبائل المنتسبة إلى "اسماعيل" و "قطورة". وهي قبائل بدوبة، كانت على اتصال بالعبرانيين. وهي بواد تقع شمال جزيرة العرب وفي الأقسام الشمالية منها.
أما "أريي"، أي "العربية" في النصوص الآشورية، و "ماتو أريبي" "Matu-A-re-bi"، أي "أرض العرب" و "بلاد العرب" في النصوص البابلية، و "اربايا "Arabaya" "Arpaya" في النصوص الفارسية، و"بيث عرباية" "Brth Arabaya" في الإرمية، فإنها كلها تعني البادية الواسعة التي تفصل العراق عن بلاد الشام. أما حدودها الجنوبية، فلم تحددها النصوص المذكورة. ولكننا نستطيع إن نقول إن امتدادها كان يتوقف على مبلغ علم تلك لشعوب بالعرب، وعلى المدى الذي وصل إليه تعاملهم في بلاد العرب.
(1/153)
--------------------------------------------------------------------------------
فبلاد العرب أو "ارض العرب" "مت أربي" "Mat Arabi" "Mat Aribi" "، هي بادية الشام أيضا، وهي كل الأرضين التي تحدها جبال "الأمانوس" "Amanus" في الشمال، أي الأرضين التي تقع في جنوبها كل شبه جزيرة سيناء عند "بلينيوس" "P linius". فهن اذن أوسع جدا مما تصوره علماء الجغرافيا المسلمون لجزيرة العرب.
وإذا نظرنا نظرة عامة إلى خارطة جزيرة العرب، نرى أنها أرضون مرتفعة في الغرب، تسيطر على السواحل الضيقة، وتكون سلاسل من المرتفعات متصلا بعضها ببعض، تمتد من بلاد الشام إلى اليمن، ويقال لهذه المرتفعات جبال "السراة". وهي توازي ساحل البحر الأحمر، وتقترب منه في مواضع عديدة. ويبلغ متوسط ارتفاعها زهاء خمسة آلاف قدم. أما أقصى ارتفاع لها، فيبلغ زهاء 12,326 قدما، وهو في اليمن.
و أما الأرضون المحصورة بين هذه السلسلة وساحل البحر، فإنها ضيقة، تسيطر عليها هذه المرتفعات، وتنحدر إليها انحدارا شديدا قصيرا. وسواحلها المهيمنة على البحر، صخرية في اغلب الأحيان، يصعب رسو السفن فيها. وطالما تحطمت عليها السفن المنكوبة، فتكون طعاما للبحر، وللأعراب الساكنين على السواحل، فيكون من ينجو بنفسه من أصحاب تلك السفن وما يتبقى من حطامها ملكا لأولئك الساكنين بحسب عرف أهل ذلك الزمان وعاداتهم.
(1/154)
--------------------------------------------------------------------------------
أما الانحدار إلى البحر العربي والخليج العربي، فانه يكون تدريجيا وطويلا ولذلك تكون الأقسام الغربية من جزيرة العرب أعلى من الأقسام الشرقية. وتتألف الأرضون الوسطى من هضبة تدعى "نجدا"، يبلغ متوسط ارتفاعها زهاء2500 قدم. ويمتد في الأقسام الجنوبية من الجزيرة سلاسل من الجبال،يتفاوت ارتفاعها، تسيطر على المنخفضات الساحلية، وعلى ما يليها من أرضين من جهة البر، وتتصل هذه بسلسلة جبال اليمن، وتكثر فيها الأودية التي تفصل بين السلاسل، وتأخذ مختلف الاتجاهات من الشمال الشرقي أو من الشمال الغربي إلى سواحل البحر، حيث تمثل اتجاهات المياه والسيول. ويكون أعلى ارتفاع لسلسلة الجبال الجنوبية في أقصى الجنوب الشرقي من الجزيرة، أي في عمان، حيث يبلغ ارتفاع الجبل الأخضر زهاء عشرة آلاف قدم.
وتتكون أغلب الأرضين في جزيرة العرب من بواد وسهول، تغلبت عليها الطبيعة الصحراوية، لكن قسما كبيرا منها يمكن إصلاحه إذا ما تعهدته يد الإنسان، واستخدمت في إصلاحه الوسائل العلمية الحديثة. و أما الأرضون الصالحة للزراعة، فإنها تزرع فعلا لوجود المياه فيها. أما الأرضون التي تعد اليوم من المجموعة الصحراوية، فهي:
ا - الحرار، أو الأرضون البركانية
وقد تكونت بفعل البراكين،ويشاهد منها نوعان:نوع يتألف من فجوات البراكين نفسها،ونوع تكون من حممها "اللابة" Lava التي كانت تقذفها، فتسبل إلى الأطراف ثم تبرد وتتفتت بفعل التقلبات الجوية، فتكون ركاما من الحجارة البركانية يغطي الأرض بطبقات، قد تكون سميكة، وقد تكون رقيقة، تتبعثر فيظهر من خلال فجواتها وجه الأرض الأصلية.
وفي مثل هذه الأرضين يصعب السير، لانتشار الحجارة ذات الرؤوس الحادة فيها، وتقل الاستفادة منها، فتتحول شيئا فشيئا إلى مناطق صحراوية، والسائر اليوم في منطقة "اللجاة" في جنوب شرقي دمشق، يلاحظ الطريق الذي سلكته الحمم المقذوفة.
(1/155)
--------------------------------------------------------------------------------
وقد وصف العلماء العرب الحرار،. فقالوا: الحرة أرض ذات حجارة سود نخرة، كأنها أحرقت بالنار، ويكون ما تحتها أرضا غليظة، من قاع ليس بأسود، وانما سودها كثة حجارتها، وتدانيها. وتكون الحرة مستديرة، فإذا فيها شيء مستطيل ليس بواسع، فذلك الكراع، واللابة واللوبة ما اشتد سواده وغلظ وانقاد على وجه الأرض. فيظهر من هذا إن "الحرار" هي أفواه البراكين، ولذلك تكون مستديرة. و أما اللابة أو اللوبة، فإنها المناطق التي غطتها هم البراكين، وسالت فوقها، ثم جفت. و أما الكواع، فإنها أعناق الحرار.
وتكثر الحرار في الأقسام الغربية من جزيرة العرب،وتمتد حتى تتصل بالحرار التي في بلاد للشام، في منطقة حوران، ولا سيما في الصفاة، وتوجد في المناطق الوسطى، وفي المناطق الشرقية الجنوبية من نجد حيث تتجه في الشرق، وفي المناطق الجنوبية والجنوبية الغربية، حيث تلاحظ الحجارة البركانية على مقربة من باب المندب وعند عدن. وقد ذكر علماء للعرب أسماء عدد منها، كما أضاف إليها السياح أسماء عدد آخر ضروا عليها في مناطق ثانية.
وقد وردت في الشعر الجاهلي إشارات إليها. وكانت إحدى الحرار، وهي "حرة النار" في عهد الخليفة عمر لا تزال ثائرة تخرج النار منها. وقد ذكر إن سحب الدخان كانت تخرج في عهد الخليفة عثمان من بعض الجبال القريبة من المدينة. وهذا يدل على إن فعل البراكين في جزيرة العرب، لم يكن قد انقطع انقطاعا تاما، وان باطن الأرض، كان ما زال قلقا، لم يهدأ.
(1/156)
--------------------------------------------------------------------------------
وكان آخر حدث بركاني في الحجاز في سنة 654 للهجرة "1256 م"، إذ ثارت إحدى الحرات في شرقي المدينة، واستمر هيجانها بضعة أسابيع، وقد وصل ماسال من حممها إلى مسافة بضعة كيلومترات فقط من المدينة التي كان نجاتها من الأعاجيب. وكان أواخر القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر الميلاديين عهد زلازل وثوران براكين في مناطق آسية الغربية. ومنذ القرن الثالث عشر الميلادي، لم يبق أثر لفعل البراكين في مختلف أنحاء بلاد العرب.
وقد تركت الأصوات المزعجة، و "الصيحات" المرعبة، والنيران التي كانت ترى من مسافات بعيدة، وسحب الدخان التي كانت ترتفع من أجواف الأرض، و "البريق" الذي كان يظهر من الحرار، مثل حرة "القوس" التي قيل إنها كانت ترى كأنها حريق مشتعل، و "حرة لبن" التي كان يخرج منها ما يشبه البرق، ويسمع منها أصوات كأنها صياح، هذه كلها تركت صورا مرعبة في نفوس الجاهليين، تتجلى في القصص المروية عنها، وفي عقائدهم بتلك النيران.
ولعل قوة نيران "حرة ضروان" وشدة قذفها للحمم وارتفاع لهيبها، هي التي دفعت أهل اليمن إلى التعبد لها والتحاكم إليها، فقد كانوا يذهبون إليها ليتحاكموا عندها فيما يحدث عندهم من خلاف، والرأي عندهم إن النار تخرج فتأكل الظالم وتنصف المظلوم. وقد كانت حرة نشطة عاشت أمدا طويلا كما يظهر من وصف "الهمداني" وغيرها لها، وصلت حممها إلى مسافات بعيدة عن الحرة.
(1/157)
--------------------------------------------------------------------------------
وقد تسببت أكثر هذه الحرار في هلاك كثير ممن كان يسكن في جوارها وفي هجرة الناس من الأرضين التي ظهرت بها، فتحولت إلى مناطق خاوية خالية. وقد وجد السياح أرضين شاسعة واسعة أصيبت بالحرار، وتأثرت بفعل "اللابة" التي سالت عليها. وللناس الحق كل الحق في إرجاع أسباب هلاك أصحابها إلى العذاب الذي نزل بهم بانفجار الأرض وبخروج النيران منها تلتهم الساكنين عندها. وقد جهلوا إن هذه النيران المتقدة الصاعدة والروائح الكريهة المنبعثة عنها، هي من فعل العوامل الأرضية الداخلية التي تعمل سرا في بطن الأرض.
وكثرة الحرار في جزيرة العرب، وانتشارها في مواضع متعددة منها، دليل على إن باطنها كان قد تعرض لامتحانات عسيرة قاسية، ولتقلبات كثيرة ولضغط شديد في المناطق الشمالية والغربية والجنوبية،وقد ظهر أثر ذلك الضغط في وجهها فبان اليوم وكأنه حب الجدري، يتحدث عن ذلك المرض القديم.
وقد اشتهرت بعض مناطق الحرار بالخصب والنماء وبكثرة المياه فيها، ولاسيما حرار الحجاز التي استغلت استغلالا جيدا، ومنها "خيبر"، التي ميزت على سائر القرى، فقيل عها إنها "خير قرى عربية"، غير إن ظهور العيون فيها بكثرة، جعلها موطنا من مواطن الحمى، اشتهر أمرها في الحجاز حتى قيل: "حمى خيبر". واستفاد الجاهليون من الحرار باستخراج الأحجار منها، كأحجار الرحى والمعادن، فكانت موطنا من مواطن التعدين القديمة فيها.
ويدرس علماء طبقات الأرض بعناية بالغة توزيع الحرار في جزيرة العرب، وتقصي أنواع الحجارة التي يكثر وجودها مثل الحجارة الكلسية والغرانيتية والرملية وتوزعها، والينابيع الحارة في الأحساء، لما في هذه الدراسات من أهمية بالنسبة إلى اكتشاف الموارد الطبيعية، والثروات الكامنة في الأرض.
(1/158)