[ 27 ]
غلب أبرهة الاشرم على أمر اليمن، وقتل أرياط قال ابن إسحاق: فأقام أرياط بأرض اليمن سنين في سلطانه ذلك، ثم نازعه في أمر الحبشة باليمن أبرهة الحبشى - [ وكان في جنده ] - حتى تفرقت الحبشة عليهما، فانحاز إلى كل واحد منهما طائفة منهم، ثم سار أحدهما إلى الآخر، فلما تقارب الناس أرسل أبرهة إلى أرياط: إنك لا تصنع بأن تلقى الحبشة بعضها ببعض حتى تفنيها شيئا. فابرز إلى وأبرز إليك، فأينا أصاب صاحبه انصرف إليه جنده، فأرسل إليه أرياط: أنصفت، فخرج إليه أبرهة، وكان رجلا قصيرا لحيما [ حادرا (1) ] وكان ذا دين في النصرانية، وخرج إليه أرياط - وكان رجلا جميلا عظيما طويلا - وفى يده حربة له، وخلف أبرهة غلام له - يقال له عتودة - يمنع ظهره، فرفع أرياط الحربة فضرب أبرهة، يريد يافوخه، فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت حاجبه وأنفه وعينه وشفته، فبذلك سمى أبرهة الاشرم، وحمل عتودة على أرياط من خلف أبرهة فقتله، وانصرف جند أرياط إلى أبرهة، فاجتمعت عليه الحبشة باليمن، وودى أبرهة أرياط. فلما بلغ ذلك النجاشي غضب غضبا شديدا، وقال: عدا على أميرى فقتله بغير أمرى ! ثم حلف لا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده، ويجز ناصيته، فحلق أبرهة رأسه، وملا جرابا من تراب اليمن، ثم بعث إلى النجاشي، ثم كتب إليه: " أيها الملك، إنما كان أرياط عبدك، وأنا عبدك، فاختلفنا في أمرك، وكل طاعته لك، إلا أنى كنت أقوى على أمر الحبشة وأضبط لها وأسوس منه، وقد حلقت رأسي كله حين بلغني قسم الملك، وبعثت إليه بجراب تراب من أرضى، ليضعه تحت قدميه، فيبر قسمه في ". فلما انتهى ذلك إلى النجاشي رضى عنه، وكتب إليه: أن اثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمرى، فأقام أبرهة باليمن.
(1) الحادر: الرجل السمين الغلبظ (*).
[ 28 ]
أمر الفيل، وقصة النسأة ثم إن أبرهة بنى القليس بصنعاء، فبنى كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشئ من الارض، ثم كتب إلى النجاشي: إنى قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب. فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي، غضب رجل من النسأة، أحد بنى فقيم بن عدى بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. والنسأة: الذين كانوا ينسئون الشهور على العرب في الجاهلية، فيحلون الشهر من الاشهر الحرم، ويحرمون مكانه الشهر من أشهر الحل، ويؤخرون ذلك الشهر، ففيه أنزل الله تبارك وتعالى: [ إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا، يحلونه عاما، ويحرمونه عاما، ليواطئوا عدة ما حرم الله ] [ 37 من سورة التوبة ] قال ابن هشام: ليواطئوا: ليوافقوا، والمواطأة: الموافقة، تقول العرب: واطأتك على هذا الامر، أي وافقتك عليه. والايطاء في الشعر: الموافقة، وهو اتفاق القافيتين من لفظ واحد، وجنس واحد، نحو قول العجاج - واسم العجاج عبد الله بن رؤبة أحد بنى سعد بن زيد مناة بن تميم ابن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن بزار: * في أثعبان المنجنون المرسل * ثم قال: * مد الخليج في الخليج المرسل * وهذا البيتان في أرجوزة له. قال ابن إسحاق: وكان أول من نسأ الشهور على العرب، فأحلت منها ما أحل، وحرمت منها ما حرم: القلمس، وهو حذيفة بن عبد بن فقيم بن
[ 29 ]
عدى بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة. ثم قام بعده على ذلك ابنه [ عباد ] بن حذيفة، ثم قام بعد عباد: قلع بن عباد، ثم قام بعد قلع: أمية بن قلع، ثم قام بعد أمية: عوف بن أمية، ثم قام بعد عوف: أبو ثمامة جنادة بن عوف، وكان آخرهم، وعليه قام الاسلام، وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه، فحرم الاشهر الحرم الاربعة: رجبا، وذا القعدة، وذا الحجة، والمحرم، فإذا أراد أن يحل منها شيئا أحل المحرم فأحلوه، وحرم مكانه صفرا فحرموه، ليواطئوا عدة الاربعة الاشهر الحرم، فإذا أرادوا الصدر قام فيهم فقال: اللهم إنى قد أحللت لهم أحد الصفرين، الصفر الاول، ونسأت الآخر للعام المقبل، فقال في ذلك عمير بن قيس جذل الطعان، أحد بنى فراس بن غنم [ بن ثعلبة ] بن مالك بن كنانة، يفخر بالنسأة على العرب: لقد علمت معد أن قومي * كرام الناس أن لهم كراما فأى الناس فاتونا بوتر * وأى الناس لم نملك لجاما ؟ ألسنا الناسئين على معد * شهور الحل نجعلها حراما ؟ قال ابن هشام: أول الاشهر الحرم المحرم. قال ابن إسحاق: فخرج الكنانى حتى أتى القليس فقعد فيها - قال ابن هشام: يعنى أحدث فيها - قال ابن إسحاق: ثم خرج فلحق بأرضه، فأخبر بذلك أبرهة، فقال: من صنع هذا ؟ فقيل له: صنع هذا رجل من العرب من أهل هذا البيت الذى تحج العرب إليه بمكة، لما سمع قولك: " أصرف إليها حج العرب " غضب فجاء فقعد فيها، أي أنها ليست لذلك بأهل، فغضب عند ذلك أبرهة، وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه، ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت، ثم سار وخرج معه بالفيل، وسمعت بذلك العرب فأعظموه وفظعوا
[ 30 ]
به، ورأوا جهاده حقا عليهم، حين سمعوا أنه يريد هدم الكعبة، بيت الله الحرام. فخرج إليه رجل كان من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له: ذو نفر، فدعا قومه من أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة، وجهاده عن بيت الله [ الحرام ]، وما يريد من هدمه وإخرابه، فأجابه إلى ذلك من أجابه، ثم عرض له فقاتله، فهزم ذو نفر وأصحابه، وأخذ له ذو نفر فأتى به أسيرا، فلما أراد قتله قال له ذو نفر: أيها الملك، لا تقتلني فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلى، فتركه من القتل وحبسه عنده في وثاق، وكان أبرهة رجلا حليما. ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له، حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قبيلى خثعم: شهران، وناهس، ومن تبعه من قبائل العرب، فقاتله فهزمه أبرهة، وأخذ له نفيل أسيرا فأتى به، فلما هم بقتله قال له نفيل: أيها الملك، لا تقتلني فإنى دليلك بأرض العرب، وهاتان يداى لك على قبيلى خثعم: شهران، وناهس، بالسمع والطاعة، فخلى سبيله. وخرج به معه يدله، حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب ابن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف في رجال ثقيف. واسم ثقيف قسى بن النبيت بن منبه بن منصور بن يقدم بن أفصى بن دعمى بن إياد [ بن نزار ] بن معد بن عدنان. قال أمية بن أبى الصلت الثقفى: قومي إياد لو أنهم أمم * أو لو أقاموا فتهزل النعم قوم لهم ساحة العراق إذا * ساروا جميعا والقط والقلم [ وهو الصك - قال ابن هشام: وهو قول الله تعالى: [ عجل لنا قطنا ] 16 من سورة ص ] (1)
سقط ما بين المعقوفين مما عدا ا (*).
[ 31 ]
قال ابن إسحاق: وقال أمية بن أبى الصلت أيضا: فإما تسألي عنى لبينى * وعن نسبي أخبرك اليقينا فإنا للنبيت أبى فسى * لمنصور بن يقدم الا فدمينا قال ابن هشام: ثقيف: قسى بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور ابن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. والبيتان الاولان والآخران في قصيدتين لامية. قال ابن إسحاق: فقالوا له: أيها الملك، إنما نحن ****ك سامعون لك مطيعون، ليس عندنا لك خلاف، وليس بيتنا هذا البيت الذى تريد - يعنون اللات - إنما تريد البيت الذى بمكة، ونحن نبعث معك من يدلك عليه، فتجاوز عنهم. واللات: بيت لهم بالطائف كانوا يعظمونه نحو تعظيم الكعبة - قال ابن هشام: أنشدني أبو ****ة النحوي لضرار بن الخطاب الفهرى: وفرت ثقيف إلى لاتها * بمنقلب الخائب الخاسر وهذا البيت في أبيات له. قال ابن إسحاق: فبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق إلى مكة، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله المغمس (1)، فلما أنزله [ به ] مات أبو رغال هنالك، فرجمت قبره العرب، فهو القبر الذى يرجم الناس بالمغمس (1). فلما نزل أبرهة المغمس (1) بعث رجلا من الحبشة يقال له: الاسود بن مقصود على خيل له، حتى انتهى إلى مكة، فساق إليه أموال [ أهل ] تهامة من قريش وغيرهم، وأصاب فيها مئتى بعير لعبد المطلب بن هاشم، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها، فهمت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم [ من سائر الناس ] بقتاله، ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به، فتركوا ذلك.
(1) المغمس - بكسر الميم مشددة أو فتحها - على ثلثى فرسخ من مكة في طريق الطائف (*)
[ 32 ]
وبعث أبرهة حناطة الحميرى إلى مكة، وقال له: سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفها، ثم قل [ له ]: إن الملك يقول لك: إنى لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لى بدمائكم، فإن هو لم يرد حربى فأتني به، فلما دخل حناطة مكة سأل عن سيد قريش وشريفها، فقيل له: عبد المطلب بن هاشم [ بن عبد مناف بن قصى ]، فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة، فقال له عبد المطلب: والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله إبراهيم عليه السلام - أو كما قال - فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه، وإن يخل بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه، فقال [ له ] حناطة: فانطلق معى إليه، فإنه قد أمرنى أن آتيه بك. فانطلق معه عبد المطلب - ومعه بعض بنيه - حتى أتى العسكر، فسأل عن ذى نفر، وكان له صديقا، حتى دخل عليه وهو في محبسه، فقال له: يا ذا نفر، هل عندك من غناء فيما نزل بنا ؟ فقال له ذو نفر:: وما غناء رجل أسير بيدى ملك ينتظر أن يقتله غدوا أو عشيا ! ما عندي غناء في شئ مما نزل بك إلا أن أنيسا سائس الفيل صديق لى، وسأرسل إليه فأوصيه بك، وأعظم عليه حقك، وأسأله أن يستأذن لك على الملك، فتكلمه بما بدا لك، ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك، فقال: حسبى، فبعث ذو نفر إلى أنيس، فقال له: إن عبد المطلب سيد قريش، وصاحب عير مكة، يطعم الناس بالسهل، والوحوش في رءوس الجبال، وقد أصاب له الملك مئتى بعير، فاستأذن له عليه، وانفعه عنده بما استطعت، فقال: أفعل. فكلم أنيس أبرهة، فقال له: أيها الملك، هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك، وهو صاحب عير مكة، وهو يطعم الناس في السهل، والوحوش في رءوس الجبال، فأذن له عليك، فيكلمك في حاجته، [ وأحسن إليه ]. قال: فأذن له أبرهة.
[ 33 ]
قال: وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم، فلما رآه أبرهة أجله [ وأعظمه ] وأكرمه عن أن يجلسه تحته، وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير ملكه، [ فنزل أبرهة عن سريره ] فجلس على بساطه، وأجلسه معه عليه إلى جنبه، ثم قال لترجمانه: قل له: حاجتك ؟ فقال له ذلك الترجمان، فقال: حاجتى أن يرد على الملك مئتى بعير أصابها لى، فلما قال له ذلك قال أبرهة لترجمانه: قل له: قد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قدز هدت فيك حين كلمتني، أتكلمني في مئتى بعير أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه، لا تكلمني فيه ؟ ! قال له عبد المطلب: إنى أنا رب الابل، وإن للبيت ربا سيمنعه، قال: ما كان ليمتنع منى، قال: أنت وذاك. وكان - فيما يزعم بعض أهل العلم - قد ذهب مع عبد المطلب إلى أبرهة، حين بعث إليه - حناطة - يعمر بن نفاثة بن عدى بن الدئل بن بكر بن [ عبد ] مناة بن كنانة، وهو يومئذ سيد بنى بكر، وخويلد بن واثلة الهذلى، وهو يومئذ سيد هذيل، فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة، على أن يرجع عنهم ولا يهدم البيت، فأبى عليهم. والله أعلم أكان ذلك أم لا. فرد أبرهة على عبد المطلب الابل التى أصاب له. فلما انصرفوا عنه انصرف عبد المطلب إلى قريش فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة، والتحرز في شعف الجبال، والشعاب، تخوفا عليهم [ من ] معرة الجيش، ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده، فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة: لا هم إن العبد يمنع رحله فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم * ومحالهم غدوا محالك [ زاد الواقدي ]:
[ 34 ]
إن كنت تاركهم وقبلتنا فأمر ما بدا لك قال ابن هشام: هذا ما صح له منها. قال ابن إسحاق: وقال عكرمة بن هاشم بن عامر بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى: لا هم أخز الاسود بن مقصود * الآخذ الهجمة فيها التقليد بين حراء وثبير فالبييد * يحبسها وهى أولات التطريد فضمها إلى طماطم سود * أخفره يا رب وأنت محمود قال ابن هشام: هذا ما صح له منها [ والطماطم: الاعلاج ]. قال ابن إسحاق ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة، وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال فتحرزوا فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها. فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله وعبى جيشه، وكان اسم الفيل محمودا، وأبرهة مجمع لهدم البيت، ثم الانصراف إلى اليمن. فلما وجهوا الفيل إلى مكة أقبل نفيل بن حبيب [ الخثعمي ] حتى قام إلى جنب الفيل، ثم أخذ بأذنه فقال: ابرك محمود، أو ارجع راشدا من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام، ثم أرسل أذنه، فبرك الفيل، وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل، وضربوا الفيل ليقوم، فأبى، فضربوا [ في ] رأسه بالطبرزين [ ليقوم ] فأبى، فأدخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه بها ليقوم فأبى، فوجهوه راجعا إلى اليمن، فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك، فأرسل الله عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها: حجر في منقاره، وحجران في رجليه، أمثال الحمص والعدس، لا تصيب منهم أحدا إلا هلك، وليس كلهم أصابت. وخرجوا هاربين يبتدون الطريق الذى منه جاءوا،
[ 35 ]
ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن، فقال نفيل حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمة: أين المفر والاله الطالب * والاشرم المغلوب ليس الغالب (1) قال ابن هشام: قوله: " ليس الغالب " عن غير ابن إسحاق. قال ابن إسحاق: وقال نفيل أيضا: ألا حبيت عنا ياردينا * نعمنا كم مع الاصباح عينا [ أتانا قابس منكم عشاء * فلم يقدر لقابسكم لدينا ] ردينة لو رأيت - ولا تريه - * لدى جنب المحصب ما رأينا إذا لعذرتني وحمدت أمرى * ولم تأسى على ما فات بينا حمدت الله إذ أبصرت طيرا * وخفت حجارة تلقى علينا وكل القوم يسأل عن نفيل * كأن على للحبشان دينا فخرجوا يتساقطون بكل طريق، ويهلكون [ بكل مهلك ] على كل منهل وأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم تسقط [ أنامله ] أنملة انملة، كلما سقطت أنملة أتبعتها منه مدة تمث قيحا ودما، حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه، فيما يزعمون قال ابن إسحاق: حدثنى يعقوب بن عتبة أنه حدث: أن أول ما رؤيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام، وأنه أول ما رؤى بها مرائر الشجر والحرمل والحنظل والعشر ذلك العام. قال ابن إسحاق: فلما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم، كان مما يعد الله على قريش من نعمته عليهم وفضله، مارد عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم، فقال الله تبارك وتعالى: [ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ؟ ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيرا أبابيل، ترميهم
(1) يستدل بعض النجاة بهذا البيت على أن " ليس " يأتي حرف عطف، مثل لا " (*)
[ 36 ]
بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول، لايلاف قريش إيلافهم، رحلة الشتاء والصيف، فليعبدوا رب هذا البيت الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف - سورتا الفيل وقريش بتمامها ] أي لئلا يغير شيئا من حالهم التى كانوا عليها لما أراد الله بهم من الخير لو قبلوه. قال ابن هشام: الابابيل: الجماعات، ولم تتكلم لها العرب بواحد علمناه وأما السجيل، فأخبرني يونس النحوي وأبو ****ة أنه عند العرب: الشديد الصلب. قال رؤبة بن العجاج: ومسهم ما مس أصحاب الفيل * ترميهم حجارة من سجيل ولعبت طير بهم أبابيل وهذه الابيات في أرجوزة له. وذكر بعض المفسرين أنهما كلمتان بالفارسية، جعلتهما العرب كلمة واحدة، وإنما هو سنج وجل، يعنى بالسنج: الحجر، والجل: الطين. يعنى: الحجارة من هذين الجنسين: الحجر والطين والعصف: ورق الزرع الذى لم يقصب، وواحدته عصفة. قال: وأخبرني أبو ****ة النحوي أنه يقال له: العصافة والعصيفة. وأنشدني لعلقمة بن عبدة أحد بنى ربيعة بن مالك ابن زيد مناة بن تميم: تسقى مذانب قد مالت عصيفتها * حدورها من أتى الماء مطموم وهذا البيت في قصيدة له، وقال الراجز: فصيروا مثل كعصف مأكول قال ابن هشام: ولهذا البيت تفسير في النحو (1). وإيلاف قريش: إيلافهم الخروج إلى الشام في تجارتهم، وكانت لهم خرجتان: خرجة في الشتاء، وخرجة في الصيف. أخبرني أبو زيد الانصاري أن العرب تقول: ألفت الشئ إلفا، وآلفته إيلافا، في معنى واحد.
(1) خلاصته أن الكاف في قوله " كعصف " زائدة، لوجود " مثل " قبلها وهو اسم (*)
[ 37 ]
وأنشدني لذى الرمة: من المؤلفات الرمل أدماء حرة * شعاع الضحى في لونها يتوضح وهذا البيت في قصيدة له. وقال مطرود بن كعب الخزاعى: المنعمين إذا النجوم تغيرت * والظاعنين لرحلة الايلاف وهذا البيت في أبيات له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى. والايلاف أيضا: أن يكون للانسان ألف من الابل، أو البقر، أو الغنم، أو غير ذلك يقال: آلف فلان إيلافا. قال الكميت بن زيد، أحد بنى أسد بن خزيمة ابن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد: بعام يقول له المؤلفو * ن: هذا المعيم لنا المرجل وهذا البيت في قصيدة له. والايلاف أيضا: أن يصير القوم ألفا، يقال: آلف القوم إيلافا، قال الكميت بن زيد: وآل مزيقياء غداة لا قوا * بنى سعد بن ضبة مؤلفينا وهذا البيت في قصيدة له. والايلاف أيضا: أن تؤلف الشئ إلى الشئ فيألفه ويلزمه، يقال: آلفته إياه إيلافا. والايلاف أيضا: ان تصير ما دون الالف ألفا، يقال: آلفته إيلافا. قال ابن إسحاق: حدثنى عبد الله بن أبى بكر عن عمرة بنة عبد الرحمن ابن سعد بن زرارة عن عائشة رضى الله عنها - قالت: لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان [ الناس ]. ما قيل في صفة الفيل من الشعر قال ابن إسحاق: فلما رد الله الحبشة عن مكة، وأصابهم بما أصابهم به من النقمة، أعظمت العرب قريشا، وقالوا: هم أهل الله، قاتل الله عنهم وكفاهم
[ 38 ]
مئونة عدوهم، فقالوا في ذلك أشعارا يذكرون فيها ما صنع الله بالحبشة، وما رد عن قريش من كيدهم. فقال عبد الله بن الزبعرى بن عدى بن قيس بن عدى بن سعد بن سعيد ابن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر: تنكلوا عن بطن مكة إنها * كانت قديما لا يرام حريمها لم تخلق الشعرى ليالى حرمت * إذ لا عزيز من الانام يرومها سائل أمير الحبش عنها ما رأى * ولسوف ينبى الجاهلين عليمها ستون ألفا لم يؤوبوا أرضهم * ولم يعش بعد الاياب سقيمها كانت بها عاد وجرهم قبلهم * والله من فوق العباد يقيمها قال ابن إسحاق: يعنى ابن الزبعرى بقوله: * ولم يعش بعد الاياب سقيمها * أبرهة، إذا حملوه معهم حين أصابه ما أصابه حتى مات بصنعاء. وقال أبو قيس بن الاسلت الانصاري ثم الخطمى، واسمه صيفي - قال ابن هشام: أبو قيس: صيفي بن الاسلت بن جشم بن وائل بن زيد بن قيس ابن عامر بن مرة بن مالك بن الاوس: ومن صنعه يوم فيل الحبو * ش إذ كلما بعثوه رزم محاجنهم تحت أقرابه * وقد شرموا أنفه فانخزم وقد جعلوا سوطه مغولا * إذا يمموه قفاه كلم فولى وأدبر أدراجه * وقد باء بالظلم من كان ثم فأرسل من فوقهم حاصبا * فلفهم مثل لف القزم تحض على الصبر أحبارهم * وقد ثأجوا كثواج الغنم قال ابن هشام: وهذه الابيات في قصيدة له. والقصيدة أيضا تروى لامية ابن أبى الصلت.
[ 39 ]
قال ابن إسحاق: وقال أبو قيس بن الاسلت أيضا: فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا * بأركان هذا البيت بين الاخاشب فعندكم منه بلاء مصدق * غداة أبى يكسوم هادى الكتائب كتيبته بالسهل تمسى ورجله * على القاذفات في رءوس المناقب فلما أتاكم نصر ذى العرش ردهم * جنود المليك بين ساف وحاصب فولوا سراعا هاربين ولم يؤب * إلى أهله ملحبش غير عصائب قال ابن هشام: أنشدني أبو زيد الانصاري قوله: * على القاذفات في رءوس المناقب * وهذه الابيات في قصيدة لابي قيس سأذكرها في موضعها إن شاء الله. وقوله: " غداة أبى يكسوم " يعنى أبرهة، كان يكنى أبا يكسوم. قال ابن إسحاق: وقال طالب بن أبى طالب بن عبد المطلب: ألم تعلموا ما كان في حرب داحس * وجيش أبى يكسوم إذ ملئوا الشعبا فلولا دفاع الله لا شئ غيره * لاصبحتم لا تمنعون لكم سربا قال ابن هشام: وهذان البيتان في قصيدة له في يوم بدر سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى. قال ابن إسحاق: وقال أبو الصلت بن أبى ربيعة الثقفى في شأن الفيل، ويذكر الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام - قال ابن هشام: تروى لامية بن أبى الصلت بن أبى ربيعة الثقفى - إن آيات ربنا ثاقبات * لا يمارى فيهن إلا الكفور خلق الليل والنهار، فكل * مستبين حسابه مقدور ثم يجلو النهار رب كريم * بمهاة شعاعها منشور حبس الفيل بالمغمس حتى * ظل يحبو كأنه معقور لازما حلقة الجران كما قطر من صخر كبكب محدور
[ 40 ]
حوله من ملوك كندة أبطا * ل ملاويث في الحروب صقور خلفوه ثم ابذعروا جميعا * كلهم عظم ساقه مكسور كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفة بور قال ابن هشام: وقال الفرزدق - واسمه همام بن غالب أحد بنى مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم - يمدح سليمان بن عبد الملك بن مروان، ويهجوا الحجاج بن يوسف، ويذكر الفيل وجيشه: فلما طغى الحجاج حين طغى به * غنى قال: إنى مرتق في السلالم فكان كما قال ابن نوح: سأرتقى * إلى جبل من خشية الماء عاصم رمى الله في جثمانه مثل ما رمى * عن القبلة البيضاء ذات المحارم جنودا تسوق الفيل حتى أعادهم * هباء، وكانوا مطر خمى الطراخم نصرت كنصر البيت إذ ساق فيله * إليه عظيم المشركين الاعاجم وهذه الابيات في قصيدة له. قال ابن هشام: وقال عبد الله بن قيس الرقيات، أحد بنى عامر بن لؤى ابن غالب يذكر أبرهة - وهو الاشرم - والفيل: كاده الاشرم الذى جاء بالفيل فولى وجيشه مهزوم واستهلت عليهم الطير بالجندل حتى كأنه مرجوم ذاك من يغزه من الناس يرجع * وهو فل من الجيوش ذميم وهذه الابيات في قصيدة له. قال ابن إسحاق: فلما هلك أبرهة، ملك الحبشة ابنه يكسوم بن أبرهة، وبه كان يكنى، فلما هلك يكسوم بن أبرهة، ملك اليمن في الحبشة أخوه مسروق بن أبرهة.
[ 41 ]
خروج سيف بن ذى يزن وملك وهرز علي اليمن فلما طال البلاء على أهل اليمن، خرج سيف بن ذى يزن الحميرى، وكان يكنى بأبى مرة، حتى قدم على قيصر ملك الروم فشكا إليه ما هم فيه، وسأله أن يخرجهم عنه ويليهم هو، ويبعث إليهم من شاء من الروم، فيكون له ملك اليمن، فلم يشكه [ ولم يجد عنده شيئا مما يريد ]. فخرج حتى أتى النعمان بن المنذر - وهو عامل كسرى على الحيرة وما يليها من أرض العراق - فشكا إليه أمر الحبشة، فقال له النعمان: إن لى على كسرى وفادة في كل عام، فأقم حتى يكون ذلك، ففعل، ثم خرج معه فأدخله على كسرى، وكان كسرى يجلس في إيوان مجلسه الذى فيه تاجه، وكان تاجه مثل القنقل العظيم - فيما يزعمون - يضرب فيه الياقوت واللؤلؤ والزبرجد بالذهب والفضة، معلقا بسلسلة من ذهب في رأس طاقة في مجلسه ذلك، وكانت عنقه لا تحمل تاجه، إنم يستر بالثياب حتى يجلس في مجلسه ذلك ثم يدخل رأسه في تاجه، فإذا استوى في مجسله كشفت عنه الثياب، فلا يراه رجل لم يره قبل ذلك إلا برك هيبة له، فلما دخل عليه سيف بن ذى يزن برك. قال ابن هشام: حدثنى أبو ****ة أن سيفا لما دخل عليه طأطأ رأسه، فقال الملك: إن هذا الاحمق يدخل على من هذا الباب الطويل، ثم يطأطئ رأسه ! فقيل ذلك لسيف، فقال: إنما فعلت هذا الهمى، لانه يضيق عنه كل شئ. قال ابن إسحاق: ثم قال له: أيها الملك، غلبتنا على بلادنا الاغربة، فقال كسرى: أي الاغربة: الحبشة، أم السند ؟ فقال: بل الحبشة، فجئتك لتنصرني، ويكون ملك بلادي لك، قال: بعدت بلادك مع قلة خيرها فلم أكن لاورط جيشا من فارس بأرض العرب، لا حاجة لى بذلك، ثم أجازه بعشرة آلاف درهم واف، وكساه كسوة حسنة فلما قبض ذلك [ منه ] سيف خرج
[ 42 ]
فجعل ينثر ذلك الورق للناس، فبلغ ذلك الملك، فقال: إن هذا لشأنا، ثم بعث إليه فقال: عمدت إلى حباء الملك تنثره للناس ! فقال: وما أصنع بهذا، ما جبال أرضى التى جئت منها إلا ذهب وفضة، يرغبه فيها. فجمع كسرى مرازبته، فقال لهم: ماذا ترون في أمر هذا الرجل، وما جاء له ؟ فقال قائل: أيها الملك، إن في سجونك رجالا قد حبستهم للقتل، فلو أنك بعثتهم معه، فإن يهلكوا كان ذلك الذى أردت بهم، وإن ظفروا كان ملكا ازددته. فبعث معه كسرى من كان في سجونه، وكانوا ثمان مئة رجل. واستعمل عليهم [ رجلا منهم ] يقال له وهرز، وكان ذا سن فيهم وأفضلهم حسبا وبيتا، فخرجوا في ثمان سفائن، فغرقت سفينتان، ووصل إلى ساحل عدن ست سفائن، فجمع سيف إلى وهرز من استطاع من قومه، وقال له: رجلى مع رجلك حتى نموت جميعا أو نظفر جميعا، قال له وهرز: أنصفت، وخرج له مسروق بن أبرهة ملك اليمن، وجمع إليه جنده، فأرسل إليهم وهرز ابنا له، ليقاتلهم فيختبر قتالهم، فقتل ابن وهرز، فزاده ذلك حنقا عليهم. فلما تواقف الناس على مصافهم قال وهرز: أرونى ملكهم، فقالوا له: أترى رجلا على الفيل عاقدا تاجه على رأسه، بين عينيه ياقوتة حمراء ؟ قال: نعم، قالوا: ذاك ملكهم، فقال: اتركوه، فوقفوا طويلا، ثم قال: علام هو ؟ قالوا: قد تحول على الفرس، قال: اتركوه، فوقفوا طويلا، ثم قال: علام هو ؟ قالوا: قد تحول على البغلة، قال وهرز: بنت الحمار ! ذل وذل ملكه، إنى سأرميه، فإن رأيتم أصحابه لم يتحركوا فاثبتوا حتى أوذنكم، فإنى قد أخطأت الرجل، وإن رأيتم القوم قد استداروا ولاثوا به فقد أصبت الرجل، فاحملوا عليهم، ثم وتر قوسه وكانت فيما يزعمون لا يوترها غيره من شدتها، وأمر بحاجبيه فعصبا له، ثم رماه فصك الياقوتة التى بين عينية، فتغلغلت النشابة في رأسه حتى خرجت من قفاه، ونكس عن دابته، واستدارت الحبشة ولاثت به، وحملت عليهم الفرس،
[ 43 ]
وانهزموا، فقتلوا وهربوا في كل وجه، وأقبل وهرز ليدخل صنعاء، حتى إذا أتى بابها قال: لا تدخل رايتى منكسة أبدا، اهدموا الباب، فهدم. ثم دخلها ناصبا رايته، فقال سيف بن ذى يزن الحميرى: يظن الناس بالملكين * أنهما قد التأما ومن يسمع بلامهما * فإن الخطب قد فقما قتلنا القيل مسروقا * وروينا الكثيب دما وإن القيل قيل النا * س وهرز مقسم قسما يذوق مشعشعا حتى * يفئ السبى والنعما قال ابن هشام: وهذه الابيات في أبيات له. وأنشدني خلاد بن قرة السدوسى آخرها بيتا لاعشى بنى قيس بن ثعلبة في قصيدة له، وغيره من أهل العلم بالشعر ينكرها له. قال إبن إسحاق: وقال أبو الصلت بن أبى ربيعة الثقفى - قال ابن هشام: وتروى لامية بن أبى الصلت: ليطلب الوتر أمثال ابن ذى يزن * ريم في البحر للاعداء أحوالا يمم قيصر لما حان رحلته * فلم يجد عنده بعض الذى سالا ثم انثنى نحو كسرى بعد عاشرة * من السنين يهين النفس والمالا (1) حتى أتى ببنى الاحرار يحملهم * إنك عمرى لقد أسرعت قلقالا (2) لله درهم من عصبة خرجوا * ما إن أرى لهم في الناس أمثالا بيضا مرازبة غلبا أساورة * أسدا تربب في الغيضات أشبالا يرمون عن شدف كأنها غبط * بزمخر يعجل المرمى إعجالا [ أرسلت أسدا على سود الكلاب فقد * أضحى شريدهم في الارض فلالا ]
(1) في ا " ثم انتحى " وتأخر فيها هذا البيت عن تاليه (2) بنو الاحرار: الفرس (*)
[ 44 ]
فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا * في رأس غمدان دارا منك محلالا واشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم * وأسبل اليوم في برديك إسبالا تلك المكارم لا قعبان من لبن * شيبا يماء فعادا بعد أبوالا قال ابن هشام: هذا ما صح له مما روى ابن إسحاق منها، إلا آخرها بيتا قوله: * تلك المكارم لا قعبان من لبن * فإنه للنابغة الجعدى. [ واسمه حبان بن عبد الله بن قيس، أحد بنى جعدة ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ] في قصيدة له. قال ابن إسحاق: وقال عدى بن زيد الحيرى، وكان أحد بنى تميم - قال ابن هشام: ثم أحد بنى امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم، ويقال: عدى من العباد من أهل الحيرة: ما بعد صنعاء كان يعمرها * ولاة ملك جزل مواهبها رفعها من بنى لدى قزع المزن وتندى مسكا محاربها محفوفة بالجبال دون عرى الكائد ما ترتقى غواربها يأنس فيها صوت النهام إذا * جاوبها بالعشى قاصبها ساقت إليها الاسباب جند بنى الاحرار فرسانها مواكبها وفوزت بالبغال توسق بالحتف وتسعى بها توالبها حتى رآها الاقوال من طرف المنقل مخضرة كتائبها يوم ينادون آل بربر واليكسوم لا يفلحن هاربها وكان يوم باقى الحديث وزا * لت إمة ثابت مراتبها وبدل الفيج بالزرافة وا * لايام جون جم عجائبها بعد بنى تبع نخاورة * قد اطمأنت بها مرازبها قال ابن هشام: وهذه الابيات في قصيدة له، وأنشدني أبو زيد [ الانصاري ]،
[ 45 ]
ورواه لى عن المفضل الضبى قوله: " يوم ينادون آل بربر واليكسوم " وهذا الذى عنى سطيح بقوله: " يليه إرم ذى يزن، يخرج عليهم من عدن، فلا يترك أحدا منهم باليمن ". والذى عنى شق بقوله: " غلام ليس بدنى ولا مدن، يخرج عليهم من بيت ذى يزن ". ذكر ما انتهى إليه أمر الفرس باليمن قال ابن إسحاق: فأقام وهرز والفرس باليمن، فمن بقية ذلك الجيش من الفرس الابناء الذى باليمن اليوم، وكان ملك الحبشة باليمن - فيما بين أن دخلها أرياط إلى أن قتلت الفرس مسروق بن أبرهة وأخرجت الحبشة - اثنتين وسبعين سنة، توارث ذلك منهم أربعة: أرياط، ثم أبرهة، ثم يكسوم بن أبرهة، ثم مسروق بن أبرهة. قال ابن هشام: ثم مات وهرز فأمر كسرى ابنه المرزبان بن وهرز على اليمن، ثم مات المرزبان فأمر كسرى ابنه التينجان بن المرزيان على اليمن، ثم مات التينجان، فأمر كسرى ابن التينجان على اليمن، ثم عزله وأمر باذان، فلم يزل باذان عليها حتى بعث الله محمدا [ النبي ] صلى الله عليه وسلم. فبلغني عن الزهري أنه قال: كتب كسرى إلى باذان: إنه بلغني أن رجلا من قريش خرج بمكة يزعم أنه بنى، فسر إليه فاستتبه، فإن تاب وإلا فابعث إلى برأسه، فبعث باذان بكتاب كسرى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه رسول صلى الله عليه وسلم: إن الله قد وعدني أن يقتل كسرى في يوم كذا من شهر كذا، فلما أتى باذان الكتاب توقف لينظر، وقال: إن كان نبيا فسيكون ما قال، فقتل الله كسرى في اليوم الذى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال ابن هشام: [ قتل ] على يدى ابنه شيرويه، وقال خالد بن حق الشيباني:
[ 46 ]
وكسرى إذ تقسمه بنوه * بأسياف كما اقتسم اللحام تمخضت المنون له بيوم * أنى، ولكل حاملة تمام فلما بلغ ذلك باذان بعث بإسلامه وإسلام من معه من الفرس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت الرسل من الفرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إلى من نحن يارسول الله ؟ قال: أنتم منا وإلينا أهل البيت. قال ابن هشام: فبلغني عن الزهري أنه قال: فمن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلمان منا أهل البيت. قال ابن هشام: فهو الذى عنى سطيح بقوله: " نبى زكى، يأتيه الوحى من قبل العلى " والذى عنى شق بقوله: " بل ينقطع برسول مرسل، يأتي بالحق والعدل، من أهل الدين والفضل، يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل ". قال إبن إسحاق: وكان في حجر باليمن - فيما يزعمون - كتاب الزبور كتب في الزمان الاول: " لمن ملك ذمار ؟ لحمير الاخيار، لمن ملك ذمار ؟ للحبشة الاشرار، لمن ملك ذمار ؟ لفارس الاحرار، لمن ملك ذمار ؟ لقريش التجار ". وذمار: اليمن أو صنعاء. قال ابن هشام: ذمار: بالفتح، فيما أخبرني يونس [ النحوي ]. قال ابن إسحاق: وقال الاعشى أعشى بنى قيس بن ثعلبة في وقوع ما قال سطيح وصاحبه: ما نظرت ذات أشفار كنظرتها * حقا كما صدق الذئبى إذ سجعا وكانت العرب تقول لسطيح: الذئبى، لان سطيح بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب. قال ابن هشام: وهذا البيت في قصيدة له.
[ 47 ]
قصة ملك الحضر قال ابن هشام: وحدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسى عن جناد - أو عن بعض علماء أهل الكوفة بالنسب - أنه يقال: إن النعمان بن المنذر من ولد ساطرون ملك الحضر. والحضر: حصن عظيم كالمدينة، كان على شاطئ الفرات، وهو الذى ذكر عدى بن زيد في قوله: وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج* * لة تجبى إليه والخابور شاده مرمرا وجلله كا * سا، فللطير في ذراه وكور لم يهبه ريب المنون فبان الم* * لك عنه فبابه مهجور قال ابن هشام: وهذه الابيات في قصيدة له. والذى ذكره أبو داود الايادي في قوله: وأرى الموت قد تدلى من الحضر على رب أهل الساطرون وهذه البيت في قصيدة له. ويقال: إنها لخلف الاحمر، ويقال: لحماد الرواية. وكان كسرى سابور ذو الاكتاف غزا ساطرون ملك الحضر، فحصره سنتين، فأشرفت بنت ساطرون يوما فنظرت إلى سابور وعليه ثياب ديباج، وعلى رأسه تاج من ذهب مكلل بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ، وكان جميلا، فدست إليه: أتتزوجني إن فتحت لك باب الحضر ؟ فقال: نعم، فلما أمسى ساطرون شرب حتى سكر، وكان لا يبيت إلا سكران، فأخذت مفاتيح باب الحضر من تحت رأسه، فبعثت بها مع مولى لها، ففتح الباب، فدخل سابور فقتل ساطرون، واستباح الحضر وخربه، وسار بها معه وتزوجها. فبينا هي نائمة في فراشها ليلا إذ جعلت تتململ لا تنام، فدعا لها بشمع، ففتش فراشها، فوجد عليه ورقة آس، فقال لها سابور: أهذا الذى أسهرك ؟ قالت: نعم،
[ 48 ]
قال: فما كان أبوك يصنع بك ؟ قالت: كان يفرش لى الديباج، ويلبسني الحرير، ويطعمني المخ، ويسقيني الخمر، قال: أفكان جزاء أبيك ما صنعت به ؟ أنت إلى بذلك أسرع، ثم أمر بها فربطت قرون رأسها بذنب فرس، ثم ركض الفرس حتى قتلها، ففيه يقول أعشى بنى قيس بن ثعلبة: ألم تر للحضر إذ أهله * بنعمى، وهل خالد من نعم ؟ أقام به شاهبور الجنو * د حولين تضرب فيه القدم فلما دعا ربه دعوة * أناب إليه فلم ينتقم وهذه الابيات في قصيدة له. وقال عدى بن زيد في ذلك: الحضر صابت عليه داهية * من فوقه أيد مناكبها ربية لم توق والدها لحينها إذ أضاع راقبها إذ غبقته صهباء صافية * والخمر وهل يهيم شاربها فأسلمت أهلها بليلتها * تظن أن الرئيس خاطبها فكان حظ العروس إذ جشر الصبح دماء تجرى سبائبها وخرب الحضر واستبيح، وقد * أحرق في خدرها مشاجبها وهذه الابيات في قصيدة له. ذكر ولد نزار بن معد قال ابن إسحاق: فولد نزار بن معد ثلاثة نفر: مضر بن نزار، وربيعة بن نزار، وأنمار بن نزار. قال ابن هشام: وإياد بن نزار، قال الحارث بن دوس الايادي، ويروى لابي دواد الايادي، واسمه جارية بن الحجاج: وفتو حسن أوجههم * من إياد بن نزار بن معد
[ 49 ]
وهذا البيت في أبيات له. فأم مضر وإياد: سودة بنت عك بن عدنان، وأم ربيعة وأنمار: شقيقة بنت عك بن عدنان، ويقال: جمعة بنت عك بن عدنان. قال ابن إسحاق: فأنمار: أبو خثعم وبجيلة، قال جرير بن عبد الله البجلى وكان سيد بجيلة، وهو الذى يقول له القائل: لولا جرير هلكت بجيله * نعم الفتى وبئست القبيله وهو ينافر الفرافصة الكلبى إلى الاقرع بن حابس التميمي [ بن عقال بن مجاشع ابن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ]: يا أقرع بن حابس يا أقرع * إنك إن يصرع أخوك تصرع وقال: ابني نزار انصرا أخاكما * إن أبى وجدته أباكما * لن يغلب اليوم أخ والا كما * وقد تيامنت فلحقت باليمن. قال ابن هشام: قالت اليمن: وبجيلة: أنمار بن إراش بن لحيان بن عمرو ابن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ، ويقال: إراش ابن عمرو بن لحيان بن الغوث. ودار بجيلة وخثعم: يمانية. قال ابن إسحاق: فولد مضر بن نزار رجلين: إلياس بن مضر، وعيلان ابن مضر. قال ابن هشام: وأمهما جرهمية. قال ابن إسحاق: فولد إلياس بن مضر ثلاثة نفر: مدركة بن إلياس، وطابخة بن إلياس، وقمعة بن إلياس، وأمهم خندف، امرأة من اليمن. قال ابن هشام: خندف بنت عمران بن الحاف بن قضاعة. قال ابن إسحاق: وكان اسم مدركة عامرا، واسم طابخة عمرا، وزعموا
|