ترتيب زواج الأخوات في الأسرة السعودية
مها فهد الحجيلان
ترتيب زواج الأخوات في الأسرة السعودية
جرت العادة في نظام الأسرة السعودية التقليدية أن يتم تزويج البنات بحسب ترتيبهن العمري، فالكبرى هي الأولى وتليها بقية الأخوات، وكل واحدة تعرف دورها بحسب عمرها. وهذا النظام كان شائعا في معظم مناطق المملكة، ونادرا ما يحصل فيه تغيير إلا لظروف معينة كأن تكون البنت الأكبر مريضة أو فيها عاهة تمنعها من الزواج، وحينذاك يسمح لمن هي أصغر منها بالزواج دون انتظار أختها.
والحقيقة أن بنية الأسرة السعودية المحافظة تتطلب هذا النظام، فالشخص الذي يأتي إلى إحدى الأسر طالبا الزواج ليس من حقّه أن يحدد من هي التي سيتزوجها لأنه ببساطة لا يعرف أي واحدة منهن، ولكنه جاء لهذه العائلة بالذات بسبب سمعة العائلة الرفيعة عن طريق صيت الأب أو سمعة الإخوة في الكرم أو حسن الأخلاق أو في المناصب الوظيفية. وهو بهذا يكون حدد هدفه من الزواج وهو الارتباط بالعائلة من خلال إحدى بناتها، وليس مهما بالنسبة له أن تكون الزوجة المرشحة -لكي تكون رابط العلاقة بالعائلة- هي فلانة أو علاّنة، بل إن بعضهم لا يعرف اسم زوجته إلا بعد الزواج.
وحقيقة أخرى تتعلق بهدف الزواج في السابق في ظل تلك البنية وهي أن دور الزوجة هو مساعدة الزوج في العمل سواء في الحقل أو في المرعى أو في المنزل، علاوة على القيام بمهمة الإنجاب، ولهذا فإن أي واحدة مكتملة البنيان الجسدي تستطيع أن تقوم بهذا الدور بغض النظر عن سماتها النفسية أو العقلية. ومن هنا نجد أنه ليس هناك أي داع لكي يميز الزوج بين النساء، فكل واحدة بالغة شديدة القوام صالحة في نظره للزواج. وإن حصل تمييز فهو شيء ثانوي يتعلق بالمظهر، حينما يفضل بعضهم أن تكون الزوجة أشد بياضاً أو أطول قواما، وهذا شرط ثانوي يسقط مباشرة أمام الكفاءة في العمل، فلو قيل إن تلك الفتاة جميلة المظهر تنام ولا تعرف الطبخ ولا تحسن الغسيل مثلا فسرعان ما يتخلى عنها مقابل فتاة ماهرة في الطبخ ولا تتعب من العمل المنزلي.
وأهم من ذلك حقيقة أن الرجل في مجتمعنا لا يعرف المرأة قبل الزواج، ولا المرأة تعرف الرجل قبل الزواج، وكل واحد منهما يحصل على معلومات باهتة عن الطرف الآخر من خلال القياس الخاطئ، فالزوج يقيس على أمه وأخواته، والزوجة تقيس على والدها وإخوتها، ثم يخمن كل طرف صورة الآخر بهذه الطريقة. ولهذا فإن الصورة المثالية للزوجة هي تلك الصورة القريبة من الصور المألوفة له التي أخذها من أمه أو أخته، والأمر نفسه مع المرأة التي تفضل الصورة المألوفة لديها من شخصيات الرجال. فعلى سبيل المثال، المرأة التي تعودت على تلقي العنف والضرب من أبيها أو إخوتها، تنشأ في جو عنيف يؤهلها لأن تصبح هي الأخرى عنيفة أو مستكينة، وفي كلتا الحالتين فإنها تفترض في الزوج صورة مشابهة، فلو لم يكن كذلك انقلبت عليه ورأت في هدوئه ولطفه نوعا من النقص وبالتالي تجد ذلك نقصا في رجولته وربما احتقرته وقللت من شأنه، وفي حالات قليلة تقدّر من الرجل هذا اللطف مقابل العنف الذي مرّت به في أسرتها.
تلك الحقائق هي التي تجعل الزواج كله خاضعا للبركة وليس للمرء فيه أي اختيار، ومن هنا نستطيع أن نعرف نمط الحياة المتوقع في مثل هذا النوع من بناء الأسرة. ولكن اليوم تغيرت الحياة وتغيرت معها ظروف المعيشة وتحسن وضع المرأة فصارت متعلمة وعاملة، وصار للرجل دور في اختيار زوجته. فالزوج اليوم هو المسؤول عن اختيار زوجته ويتحمل مسؤولية قراره بنفسه، وهو يختار الزوجة وفق مواصفات معينة يريدها، وصار للجانب النفسي والعقلي دور في الاختيار، والأمر نفسه مع الزوجة التي صار لها دور في الموافقة أو الرفض. وهذا الأمر صالح عند بعض الأسر ولكنه غير صالح مع أسر أخرى لا تزال ترغم الزوج والزوجة على بعضهما لاعتبارات ثقافية.
وبناء على تلك التغيرات وفي ظل العلاقات الاجتماعية الجديدة لم يعد هناك ضرورة للالتزام بالترتيب، فكل واحدة تتزوج متى ما تهيأ الزوج المناسب، فالصغرى مثلا تزوجت لأن نصيبها تحقق بوجود زوج يريدها لذاتها ومقتنع بشخصيتها، والكبرى لم تتزوج لأن الرجل المناسب غير موجود حاليا. ولا يعني ذلك التقليل من قيمة الأخت الكبرى التي لم تتزوج لأن ثقافة الزواج تغيرت وصار كل زوج مرتبطاً بالزوجة لأنه يعرفها أو يعرف معلومات جعلته يرتبط بها لذاتها وهو يميل إليها وربما يحبها ولهذا فهي تعني له شيئا أساسيا لا يمكن التفريط فيه ولا يمكن وضعها موضع مقارنة أو مبادلة مع امرأة أخرى.
وهذا التغيير الثقافي يفترض أن يسير معه تفهم لهذا الوضع، ولكن المشكلة تكمن في بقاء عقلية الترتيب القديمة بين الأخوات مهيمنة على عقول بعض أفراد المجتمع ممن ينظرون إلى البنت الكبرى التي تزوجت أختها الصغرى قبلها نظرة دونية اعتقاداً منهم أن لديها مشكلة تمنعها من الزواج قياسا على النظرة التقليدية القديمة لأولوية الزواج بين البنات.
أعتقد أنه مناسب للأسر التقليدية أن تحافظ على نظام الترتيب إذا لم يكن هناك مسوغ لاختيار الصغرى دون الكبرى، كأن يتقدم زوج نكرة لا يعرف الفتاة ولا تعرفه، فليس من حقه في مثل هذه الحال أن يختار لعدم وجود مبرر للاختيار. أما الأسر التي تؤمن بأن كل فرد في الأسرة له شخصيته وظروفه وكيانه المستقل وله مستقبله وحياته الخاصة، وما الزواج إلا حدث خاص بالفرد وهو الذي يقرر موقفه منه مع الاستئناس بآراء البقية، فهذه الأسر لن يعنيها موضوع الترتيب ولن يترتب عليه موقف سلبي ضد أحد.
والواقع أنه لا يمكن إصدار أحكام ضد موضوع ترتيب زواج الأخوات أو معه، بل الأمر ثقافي بحت يخص كل أسرة وكل مجموعة داخل المجتمع. وإن كانت ملامح التغيير التي يمر بها مجتمعنا بدأت تميل نحو الاستقلالية لكل فتاة، إلا أنه توجد أسر أخرى تحدد علاقاتها في قوانين صارمة وتجد في تغيير تلك القوانين تهديداً لكيان الأسرة بأكملها.
* كاتبة سعودية
|