فاجابوا النسا العلمانياتوقالوا: ليس كذلك نفعل ها هنا لانا نسا الشهد وامهات الشهد. فينبغي لنا ان نقتلقبلكم لكيلا نري قتل ازواجنا واولادنا وكيف يموتون.
وكانت كل واحدة منهم تطلب الى من كان يسوقها الى الموت مناوليك الجند ان يوصي بها بالقتل.
وكانمن حضر ذلك من الامم وساير من اتبع الملك الكافر من جميع من في تلك البلاد منالناس، لما راوا من الشدة والمنظر الفظيع، كانوا يضربون على وجوههم، وجدا، على مايرون ببكا مر وصرير الاسنان وقرع علىالصدور.
فضربتاعناق النسوة القديسات وهم يدعون بسم الاب والابن وروح القدس. عند ذلك قال الملكاليهودي الضال لعظمايه وهو كالمستهزي: " الا ترون الى ضلالة ذلك المصلوب، كم قدرعلى ان يجعل في الدنيا من اتباعه!".
ثم انه ارسل الى سيدة المدينة وكان اسمها دهما ابنت ازمع،وامر عدوا الله اناس من عظمايه وريسا قومه ان ياتوا بها بكلام حسن، وان يوقفوهاقدامه بكرامة ودعة ورفق، يظن بذلك انه سايزيلها عن هواها.
وكانت لدهما ابنت ازمع من الحسن والجمال ما ليس لاحد منالناس مثله، فامر ان تحفظ مع ابنتيها، وكانتا ابنتيها ايضا لهما من الحسن والجمالما ليس يوصف.
فلما اتوها رسل الملكفي السجن، قالوا لها: "إن انت اطعت الملك على ان تكفرين بالذي يقال له المسيح، تعيشنفسك بكرامة وانفس ابنتيك".
فلما سمعت بما بعث به اليها الملك، قالت للرسول المبعوث اليها: "اذهبواالى الملك واخبروه اني سارضيه فيما يسلني".
وانما ارادت بذلك لكي تخرج فتتبع بنات عمها اللاتي شهدواقبلها.
فلما سمع بذلك الرسول منهااتوا بها الى الملك، وظللوا عليها بمظلة وهي تمشي لكيلا تصيبها ولا بنتيها الشمس،وكن يمشين وهن حييات الانفس، مستوحشات لانهن لم يحضرن في الشهادة مع بناتعمهن.
وكانوا الرسل يحملون المظلةوهم يمشون ليلا تصيبهم الشمس، لان دهما لم تكن اصابتها شمس قط، الا شعاعها فقط، فانذلك ربما كان يدخل عليها وهي في خدرها، فيبيتها.
فلما اوتيبهن قدام الملك اللعين الرجز الذكر الوسخ، قال الملك لدهما: "ايها المرة، لا يغركسحر المصلوب، ولا تريدين ان تسلكون مع من قتل من اهل مدينتك من الرجال والنسا، لانكانت امرة لك حسب وكرم وموضع في البيت الشريف، من الحسن والجمال الذي اعطيت وابنتيكمعك، وقد بلغني انه لم يراك رجل قط غير زوجك الذي تزوجتيه بالامر الجميل، وقد كانفي فناء منزلك ثلثماية رجل يختلفون في امورك، وخدمتك وضياعك واموالك، الى يوم الناسهذا الذي انت فيه واقفة بين يدينا، فأطيعي الملك فتكوني مكرمة مني ومن الملكة فيدار الملك".
وانالمرة اجابته قايلة: "لست اكرم من انسان يعبد الهة كثيرة، ولا اساكن مجدف، ولا منيحب ان يكلف الناس التجديف، ومن يسمي الاهنا ساحر، وهو الذي جعل الملوكيملكون".
حينيذامر ان يكشف راسها وراسي ابنتيها ويوقفون مكشوفاتالروس.
فالتفتتالقديسة فنظرت الى جماعة من النسا يبكين وينحن، فقالت لهن: "ايها النسا العفيفاتالصالحات اللتين هن على هواي ومن كان منكن يهودية او حنيفية فاسمعن كلامي، انتنتعلمن اني امراة نصرانية مسيحية، وقومي اجمعين على ذلك من الدين وللهالشكر".
وانتنتعرفن اي منزلة كنت عليها، وكان مالي كثير من الذهب والفضة والنحاس، ومن الخدموالمواشي والمزارع ولم يكون شي يعوزني، ولو كان في نفسي ان اتخذ زوجا بعد وفاة زوجيلفعلت، ولم يكون يقدر احد ان يتوهم علي باني فعلت غير السنة، وانا قايلة لكن اليوماني املك من المال اكثر من عشرة الاف رطل من الذهب والفضة مختومعليه".
وانتنتعلمن انه ليس لمرة فرح اكثر من يوم عرسها، ثم بعد تلك الايام لا تزال في احزانواوجاع وشدة، واشد ذلك كله حين يحضر ولادها وحين يموت ولدها، وانا من بعد هذا اليوماتبرا من هذه الاشيا كلها، واكون في الفرح مثل ايام عرسي.
وابنتي هاتين عذراتين، فنحن نتزوج جميعا في الشهادة كعرسالفرح عند عروس الحق يسوع المسيح بن الله الذي نشر بحلته لخمسة عذاري اللاتي حملنالزيت مع سرجهن.
وانتم يا خواتيتعلمن انكن نظرتن الى وجهي مرتين من الدهر، اما مرة ففي جلبة عرسي الفاني وغيردايم، وهذا الان العرس الدايم وغير الفاني.
واتفطن الي والى ابنتي لانا ليس دونكن في الحسن والجمال، ولا تظنوا انيبوجه قبيح وبنتي هاتين".
"نعلن تجاهكم يا معشر الحراير، وانتم يا جميع الجند والجيوش، انا بحسنناوبحفظ الله الذي يحفظ عذرة بناتي بغير فساد، مع انا بالمسيح اصطبغنا، ويشهد الله انهذا الانسان لا يستطيع ان يصيرنا نكفر بالمسيح، وانتم اليوم لي شهد، وذهبي وفضتيفانه يشهد لي في الاخرة اني لم احبه بل اني قد كنت اعطي كلمحتاج".
فلما سمعالملك ذلك منها قال لها: "اني صبرت عليك منذ حين وتركتك في سعة من الكلام، تتكلمينبما شيت في سمع العالم، لكيما اذا رايت وجدهن عليك وبكاهن لك، لعلك يرق قلبك لهنفتسمعين مني وتطيعيني".
فقالت له المرة القديسة: "تكلفني ايه الملك ان اكفر بالحياة الدايمة،واحيا في هذه الحياة الدنية حياة يسيرة، انا اخاف من النار والدود الذي لا ينام،فهو احب الينا ان نموت ولا نطيعك ايها الملك، لانا ان متنا على هذا الاعتراف حييناالى الابد".
ثمالتفتت الى ابنتيها وقالت لهن: "انظرن لا تكفرن بالممجد من السرافين، ملك السموات،يسوع المسيح، ابن الله الحي، الجالس على الكروبين، الممجد من السرافين، فحاش لي اناكفر بذلك الملك".
حينيذ قال لها الملك وهو مغضب غضب شديد: "ايه المرة الطاغية، اعلمي انيساعذبك عذاب شديد واقطع لحمك واخرج امعاك وانشر مخ راسك وبنتيك معك، حتى انظر هلياتي ذلك الناصري الفاجر فيخلصك من يدي؟"
وان احدى ابنتيها، الصغرا منهن، وكانت ابنت اثنا عشر سنة اقتربت اليهوهي مغضبة، فملت فاها ريق ثم بصقت عليه حتى ملات وجهه اللعينالفاسق.
فلما روا ذلك الذين كانواحوله يحملون السيوف المسلولة، الذين يقال لهم السيافين، غضبوا غضب شديد وضربوااعناق ابنتي القديسة.
وان الملك اللعين امر بعض من كان حوله من الرجال ان يجمع الدم بكفيهويسقيه لامهما، ففعلوا ذلك.
فلماذاقت الدم قالت: "أشكرك يا المسيح بن الله انك هييت لامتك ان تذوق دم ابنتيها،قربان ذبيحة الشهادة".
عند ذلك امرالملك ان يضرب عنق القديسة، فتمت شهادةالقديسات.
وانالملك قال لعظماه وريسا قومه: "اني لواجد في نفسي وجدشديد".
وحلف لخاصته واحباه وقاللهم: "لقد حزنت على هذه المرة وعلى ابنتها حزن شديد لاني لم ارى فيما رايت علىصورتهن وجمالهن، فمن اين وقع في النصاري مثل هاولي؟
واني لاعجب كيف يضلون في انسان مات موتة سو وسما نفسهالاها".
ولماكان من الغد، امر اللعين ان يوتى بالحارث القديس مع من كان معه محبوس، وكان عددهمثلثماية رجل واربعين رجل، ثم قال: "لك اقول ايها الحارث الخبيث المعتق في ايام السوالقديمة، لاي شي لم تشبه اباك الذي كان ريس المدينة والكور، وكانت له منزلة عند كلمن كان قبلي من الملوك لنصحه وحرصه على مبالغة رضاهم؟
غير انك هممت بالنفاق وظننت في نفسك انك تكون ملك هذهالمدينة وحولها، ورجاك بانسان مات موتة سو، وهو الذي سما نفسهالاها.
وقد رجوت انت ان تفلت منيدي، فالان فاشفق على نفسك وعلى كبر سنك، واحفظ شيباتك، وكن شيخا كريما، واحيي نفسكومن كان معك ماخوذا ومغلولا.
فاماان تكفر بالذي يقال له المسيح والا فانت تموت بموت سو كنحو من مات من النسا الاتيسبقنك، لانه لا يستطيع بن مريم ويوسف ان يخلص كل من قتلته في مدينتك وفيما يلي ارضسبا، ولا يقدر ان ينجيكم من يدي".
عند ذلكاجابه الحارث الكريم بالحق وقال: "اني في حزن شديد من النصارى المومنين كلهم وايضامنجل النصارى الذين في هذه المدينة، لاني قد قلت لهم وحرصت بهم كم من مرة، وامرتهمالا يفتحو ابواب المدينة فلم يطيعوني.
واشرت عليهم ايضا ان نخرج اليك فنقاتلك دون شعب المسيح فلم يرضونبذلك.
وانا كنت واثق، متكل علىالمسيح انا نغلبك ونقتلك ومن معك، وان كان معك الوف كثيرة، كما كان مع جدعون الذيقاتل بثلثماية رجل فغلب بعون المسيح.
انه هو المسيح ورضاه يكون، وهذه ماية الف وخمسة وثلثين الف اتت الينامنجل خطايانا، فلذلك لقينا ما ترى واسلمنا في يديك، وانت لم تاتي بصدق قط علىفاك".
فقالوا لهجلسا الملك: "هكذا يعلمك كتاب النصارى ان تجاوب الملوك؟ اما تعلم ان ملوك اليهودمسحا الرب؟"
اجاب الشيخ القديسوقال له: "زد في قولك قول الياس النبي حيث قال له اخاب ملك بني اسرائيل: "اني وجدتكمفسد اسرائيل". فاجابه عند ذلك الياس النبي وقال له: "بل انت المفسد، واهل ابيكالمفسدين".
لانه ليس يخطي من وبخملكا حين يكفر ويتبع غير الناموس، فكيف لم يستح هذا ان يقول لي ان اكفر بالمسيح،كلمة الله، التي بها خلق كل شي في السما وفي الارض، وبها خلق الخلايق كلها: ما يرىوما لا يرى؟ وهو الذي نظر الى خلقه محبوسين في فخ الشيطان فلم يدعهم ولكن جعل لهمناموس ووصية ليودب الناس بترك المعصية والاخذ بالطاعة.
فاما اسرائيل فما عمل من الشر ودب عليه، ثم رحمهم اللهايضا عندما ردهم من بابل، وان الخلق الذي خلق الله، على صورته وتمثاله، تهتك حينرفض بوصايا الله. فمنجل ذلك، المسيح الاهنا تنازل لمحبته فاتخذ الواقع، وصلب الخطيةفي جسده الذي اتخذ لنفسه، فصار ذبيحة لله الاب، بالجسد الموخوذ منا ومن جميعالناس.
فكيف اكفر بالذي صنع اليناهذا الخير كله وخلص جميعنا؟
ولعليلا احيا في هذه الدنيا ساعة واحدة حتى لا تبقا فيه حياتي، وتريد انت ان تغربني منملكوت السما؟".
وانت ايه الملك الكاذب ملك ضعيف، حلفت لنا واعطيتنا عهدك، ثم لم تفيلنا بعهدك ولا بما حلفت، ولقد رايت ملوك وسادة في الهند وفي الحبشة وفي هذه الارضولم ارى مثل الذي رايت منك، وكان عهدهم صادق، وان في العالم، الامم والقبايل وجميعالجنود يخضعون لهم بطاعة الله الذي جعلهميملكون".
وانااقول لك ايها الملك علما يقينا: اني لا اتبع رايك اذ انت مجدفا على الله، رب المجد،العزيز العظيم، وان لي سلطان على نفسي فليس ازول عن الاعتراف بالله. وبحق طوبا ليلاني في كبر سني وانا اليوم بن خمسة وسبعين سنة فجعلني المسيح الاهي مستاهلا اناموت منجل اسمه. والان عرفت ان الله يحبني. ولقد كانت ايام حياتي كثيرة في هذهالدنيا وكان لي فيها بنون ورايت بنين اربع قرون، ولقد حضرت معاركا كثيرة مختلفةوسلمني منها المسيح. وانا افرح ايه الملك ان كبري كمل في شهادته مع شهادة هاوليالقديسين".
واناارجو من ربي المسيح، الذي اسواني ان اموت على اسمه ان لا ينتقص اسمي وذكري من هذهالمدينة، وانا اصدق كما ان شجرة الكرم اذا نصبت في ايانها تطعم تمرة كتيرة، وكذلكسيكثر في هذه المدينة من النصارى وفي جميع ارض سبا.
وانا اقول لك ايها الملك، والله يشهد لي، انه ستعمر هذهالكنيسة التي انت احرقتها، واعلم ان الله سيقيم ملك في هذه الارض، ملك للنصارى،ويسقط ملكك ويبيدك ويبطل دعوتك وتقع سريعا".
ثم ان الحارث القديس التفت الى الشهدا القديسين الذين كانوا معه وصاحاليهم بصوت عالي وقال: "قد اسمعتكم ياخوتي ماذا كلمت به الفاجرالظالم!"
فاجابوه وقالوا: "نعم ياابتاه الكريم قد سمعنا".
ثم قاللهم: "كيف ترون الشهادة؟ هل منكم احد خايفا ام جزعا من شر هذا الملك الملعون،فليعتزل عنا".
فقالوا له القديسينجميعا: "انا نقر بالله ونتقوا يا بونا بانا في هذه الشهادة جميعا نموت معك على اسمالمسيح، وليس منا احد يفارقك".
عندذلك قال الحارث القديس: " اسمعوا مني يا معشر النصارى واليهود والحنفا، من كان مناهل سبا، اي من يسييل فكفر بالمسيح الذي يدين الاحيا والاموات، يكفر به ولا يكون لهمعه نصيب يوم القيامة، وقد احببت ان اجعل في وصيتي من مالي للكنيسة المقدسة التيساتبنا بعدي، فان تبقى احد من اولادي او انسباي وتمسك بهذه الامانة فليكون لي ورثة،وليكون افضل ما املك من الموارث، ثلثهللكنيسة".
ثم انالشيخ القديس المومن بالمسيح قال للملك الكافر الملعون: "اعلم اني قد مدحتك في خصلةواحدة فقط لانك حفظت القديم من السنة المعروفة، التي هي للملوك والعظما، لانك صبرتولم تقطع كلامي مع انك قد سمعت كل شي تكلمت به، فلا تسلني فقد حضر الايانفافرغ".
ثم قال القديس: "منيكفر بهذه الشهادة كفر به الذي خلقه ويهلك من ارض الحياة، ومن ليس بمستقيم ويحرصعلى التقدم الى هذه الشهادة والدعوة المقدسة ولا يعترف بان المسيح بن الله الحيوانه خالق كل شي، يكون غريبا من الحياة الدايمة التي ترتجا، ومن يكفر بصليب المسيحيقع من الختن المرتجا".
ثم قالللملك: "من اشركك ايها الملك على هواك وكان على ما اليهود عليه فليكون بمنزلة داثانوابيرام وقورح الذين فتحت الارض فاها وابتلعتهم، وكما اني قد كنت المبتدي مع اخوتيوبنوا عمي هاولي المكرمين لاخذ الكاس، كنت اولهم، كذلك اكون اولهم ايضا لاخذ كاسالشهادة واشربه قبلهم".
ثم انهختم على الشعب، الذين كانوا معه بخاتم الصليب بسم الاب والابن وروح القدس. وصنعواكذلك، كل واحد من اوليك الشهدا، كل انسان على نفسه، وكانوا ايضا يصلبون بروسهمبالاشارة، لانهم كانوا مكتفين الايادي، كماربطهم الكافرالملك.
وكانوا يصلون لربهمويقولون: "اللهم اقبل انفس ****ك مثل المعمودية المقدسة ودمانا كمثل ذبيحة التسبحةعلى المذبح".
ثم صاحوا الى الحارثوقالوا: "يا بونا الكريم، ان ابونا ابرهيم ينتظرك، فلا يكون لنا ان نعيشبعدك".
فلما انري الملك الكافر انه لا يقدر يزيغهم ظن دينهم والامانة بالمسيح، امر ان يذهب بهمالى حفرة في الوادي الذي كان فيه تضرب اعناق القديسين، وامر ان تلقا اجسادهمالمقدسة ماكلة للسباع والطير.
فلما بلغوا الشهدا الى المكان الذي كان يذهب بهم اليه ليقتلوهم فيه،وقفوا على مكان مشرف ورفعوا اعينهم مع اهواهم الى الله وصاحوا كلهم بصوت عالي وتضرعقايلين: "يا يسوع المسيح احضر لعوننا، ويكون هذا الدم المهراق من ****ك على اسمكعفوا ورحمة للذين يقبلوا ويصرون ان يقتلوا منجل اسمك من قبل هذا الكافروغيره.
يا يسوع المسيح امنا بكواعترفنا باسمك، وقدام الناس كرزنا بملكوتك.
يا يسوع المسيح ارحم واحفظ وخلص جميع النصرانية.
يا يسوع عظم دين النصرانية وثبت ملوكها: ملوك الروم وملوكالحبشة، واسحق هذا الملك الكافر بايدي النصارى ليفعلون بهمسرتك.
يا يسوع المسيح احفظ جميعالنصرانية ومن كان عامر فيها بالامانة في اطراف العالم.
يا يسوع المسيح ابطل واهلك هذا الكافر واهدم قوته مثل ماصنعت بفرعون وعماليق وسيحون وعوج.
يا يسوع المسيح اجعلنا اهلا ان ننظر الى عزتك وان نبشر من ملايكتكالقديسين بوقعة هذا الكافر التي ساتكون سريعا، واهلك كبريا اليهودالخبثا".
فلمافرغوا من صلاتهم ودعاهم صاح كل واحد منهم الى صاحبه قايلين ببكا: "السلمعليكم".
عند ذلك قال الحارثالقديس: "سلم الاله المصلوب الذي اعطا التلاميذ القديسين يكون معنا يااخوة".
ثم انه طاطا راسه وسجدوجميع الشهدا، ومنهم اربعة قبلوا صدر الحارث وجعلوا يضمونه رفقا وشفقا، وكانوايرفعون يديه على نحو ما كان ذينك الاثنين يرفعا يدي موسى النبي فيالجبل.
ثم انه تقدم رجل من الجندفضرب عنق القديس الحارث.
عند ذلكاخذ جماعة من القديسين من دمه فتمسحوا به، وصلبوا بدمه على اعينهم، فجعلوا اوليكالذين امروا بقتلهم يتعجبوا ساعات ويبكوا لما روا من المنظرالفظيع.
ثم ان جميع الشهداالقديسين بسطوا ارقابهم، وضربت اعناقهم اجمعين.
وكان ذلكفي اخر شهر الروم سبتمبرس، في ثلثين يوما منه،وهو من اشهر العجم بربرطرس.وانامراة من المدينة كان لها ابن حين مضا له اربعة سنين، وكانت المرة تنظر كيف كانواالشهدا يتبركون ويتلطخون بدم الحارث القديس، فاسرعت واخذت من دم القديس وتمسحت بهومسحت ابنها وصاحت باعلا صوتها قايلة: "يكون لملك اليهود ما كانلفرعون".
عند ذلك اخذوها وقدموهاالى الوالي، الملك الملعون.
فامران تحفر حفرة وان يجعل فيها حطبا ونفطا وزفتا وامر ان يوقد فيها النار، وامر فالقيتفيها تلك المرة.
فلما جعلوا الجند يربطون تلك المرة، نظر ابنها الصبي الى الملك، وهوجالس على مكان مشرف، فاسرع اليه وجعل الصبي يلزم رجلي الملكويقبلهم.
فلما راهالملك بسط يده فرفعه ووضعه في حجره، ثم اخذ يكلمه برفق ولين: "يا صبي اخبرني، ايشتحب؟ اذهب بك الى امك او تمكث عندي، فاتخذك ولدا؟".
فقال الصبي: "اذهب الى امي احب الي، لانها قالتلي: "اذهببنا يا بني فنستشهد كما شهد غيرنا". فقلت لها: "وما هذه الشهادة يامه؟" فقالت: "الشهادة يابني: الموت منجل الله ثم الحياة بعد ذلك الموت".
وجعل الصبي يقول: "اتركني اذهب الى امي فانها اراها تربط،وجعل يصيح: "يامه، يامه!"
فاجابتهامه وهي تقول: "استودعتك الله يا بني الذي هو قادر ان يجمع بيني وبينك فيملكوته".
عند ذلكقال الملك للصبي: "تعرف الذي يقال له المسيح؟" فقال الصبي: "نعم!" فقال له الملك: "من اين تعرفه؟" فقال الصبي: "حق اقول لكم اني كنت كل يوم اراه في الكنيسة حيث كنتاذهب مع امي للصلاة، فان كنت تحب ان تراه فهلم معي فاني اريك اياه". فقال له الملك: "من احب اليك، انا او الذي يقال له المسيح؟" فقال له الصبي: "المسيح احب الي منك،لان له نعبد، فاتركني اذهب الى امي". فقال له الملك: "لم تركت امك وجيت الي تقبلرجلي؟" فقال له الصبي: "كنت اظنك نصراني، وتخلي امي". فقال له الملك: "انا يهودي،فان احببت ان تمكث عندي فانا اطعمك جوز ولوز، وكل ما احببت من فاكهة". فقال لهالصبي: "اتركني اذهب الى امي فاني ليس اخذ منك لانك يهودي".
عند ذلك قال الملك لجلساه واصحابه: "اترون الى عرق السوكيف يجيب بحلم ودعة؟".
فقال للغلام انسان من جلسا الملك: "هلم معي يا غلام فانطلق بك الى امراةالملك". فلم يجيبه بشي لانه كان ينظر الى امه قد ربطت والقيت في حاميةالنار.
وكان الصبي يصيح ويقول وهويبكي: "اريد امي، اريد امي!".
وكانيتفلت للقيام اليها، وكان الملك يمنعه ويحبسه عن ذلك، وان الصبي لما حرد قبض علىفخذ الملك فعضه باسنانه، وان الملك دفعه الى انسان من عظمايه وقال له: "ضمه اليكوربيه تربية حسنة وعلمه شرايع اليهودية".
فاخذ ذلك بيد الصبي واخذ ينطلق به الى منزله، فلقيه انسان من عظمايهمفجعل يحدثه عن ما كان من الصبي وكيف كان قصته وقصة الملك، وكيف كان كلام الصبيللملك وعضه لفخذه.
وكانوا وقوفبعيد من الحفرة التي القيت ام الصبي فيها، فتركهم الصبي واخذ يعدو جريا حتى القانفسه في الحفرة مع امه في حامية النار، فمات شهيد حريقا هووامه.
فيا عجباه للرب تبارك وتعالالصبره ومهله وطول روحه.
واتواايضا بامراة اخرى للشهادة مع القديسين، فلما اتوا بها تساق الى موضع النار لتطرحفيها، فلما دنت من النار نظرت الى هول عظيم، حينيذ ضمت ابنها الى صدرها وبكت بكاشديد من الحزن والرحمة لابنها، ثم قالت: "وارحمتي لك يابني من حر هذهالنار".
فاعطاالله الغلام ان يتكلم، وفتح الله فمه وقال لامه: "امضي بنا الى النار، فلا ناربعدها ابدا".
وكان الصبي بن تسعةاشهر.
فلما سمعتامه هذا الكلام وما اعطا الله الصبي، سبحت الله كثيرا، ورسمت على وجهها رسم الصليبوقالت : "باسم الاب والابن وروح القدس". والقت نفسها، وابنها معها تحمله، حتى وقعوافي النار التي هبت في الحفرة.
فلما راوذلك جلسا الملك اقبلوا يطلبوا اليه ويسالوه ان يرفع عنهم القتل، ففعلذلك.
فلما كان بعد زمان بدا الفاجر يحرك ما كان عليه من سوالراي في قتل من بقي من النصارى، فامر ان يجمع اولاد النصارى، من كان من الاشراف اومن دونهم، من اهل المدينة والكورة، من الصناع والمزارعين وغيرهم ممن كان بن خمسةسنين الى بن خمسة عشر سنة من ذكر او انثى.
فلبغ عددهم الف ومايتين وسبعة وتسعين نفسا، فقسمهم على عظمايه ومن كانيعينه على النصارى، فاستعبدوهم وجعلوهم **** لهم واما.
استعبدوا الاحرار وابنا الكرام، وهو العبد السو الملعونالذي عبد نفسه للخطية ووهب بني الامانة ودين ابرهيم للعبودية، الذين اعتق المسيح منلعنة الناموس بدمه الكريم.
ما اعظمامورك يا رب، ومن يقدر يصف طول صبره ومهله!
وان عدوا الله حين قتل القديسين الشهدا رجع الى مدينة ملكه بعظمة وكبرياعلى الخالق.
فترايتنار عظيمة في السما وكانت الى جانب الثريا التي هي سبعة انجم، فكانت تلك النار تملاالسما، فكان فزع وخوف شديد يفزع كل مقاوم لله.
فلبثت تري في السما اربعين ليلة من عشية الى انتصاف الليل، وكانتبالنهار تصير سحابة ويكون على الارض غبرة ودخانسخن.
ايا نجرانمدينة ارضية لها شرف سماوي وكواكب مكللة هم شهدا الذي اعترفوا بالشهادة الصالحة،ايا نجران المدينة التي تقاتل من اركون الشيطان ومن شياطين الهوا المظلم، وكواكبكالمعلقة ينتظرون لقا الرب، يا مدينة نجران تشبه نفسها باورشليم الارضية التي الجبالحواليها، فاما انت والشعب الذي فيك والشهد، فان الرب يحفظك الى الابد، ايا نجرانمدينة باس، مدينة صهيون، الرصد الثاني، رصد كنت للذين يبشرون بكلمة الله، ومن اجلهالى مبلغ الموت رضوا.
سميت نجران،على لغة العبرانية، تاويل نجران رعد، الى السما ذكر شهادة شهداك وقديسيك الذينشبهوا شهادة المسيح.
دعيت لانكاقمت دعايمك وابوابك الوثاق وعلاماتك البينة، الذين هم الشهدا المعترفين الذين لميغلبهم المصارع بالكفر والاثم والباطل.
يا نجران مدينة نابعة امياه مختلفة حية متكلمة، التي رات الموت ربح قدامالسفها، ومنظر اعينهم وهم احيا الى الابد، وهي في وسط جماعة الشهداوكثرتهم.
حية دعيت لانك فيكالتعليم المعظم: وهم الشهدا الذين قاوموا الكفر، بالشهادة والاعتراف بلغوا الى مبلغالموت.
يا مدينة نجران التي احزنتباحزانها جميع الملوك الذين في الارض، وافرحت بتجديدها كثرة جماعة الجنودالسماوية".
وكان الكافريحكي الكفر والنفاق الذي قال فيهم النبي، حيث قال: والثلثة لكافرات والكفر فيهمالاوله والثانية والثالثة يعتمل التي نذر اليه، ولكن بها اهلك الكافر مثل ما اهلكفرعون.
وكان عدو الله، الفاسق فيدين الله، وهو الفرعون الثاني، قد كتب الى ملك فارس يسله ان يقتل كل نصراني فيبلده، مثيل ما صنع هو.
وذكر فيكتابه اليه ان الشمس راضي بالشمس وهو اله اليهود.
وكتب ايضا الى من كان على العرب من يد تحت صاحب الفرس،وبعث اليه رسلا واعلمه ما كان من صنيعه بالنصارى، وساله ان يصنع بهم مثل ذلك على انيدفع اليه، ان فعل ذلك، ثلثة الف دينار، ويامر ان يكون في جميع سلطانه طردللنصرانية.
وانه منتوفيق وصنع الله في قديسيه من ملك الدنيا والاخرة، الذي موت احباه كريما بين يديه،انه جعل في نفس يسطينيانوس ملك الروم المومن الفاضل محب المسيح، ان يبعث ابرهيمالفاضل، محب الله، وكان قسيس، الى الذي كان والي على العرب يدعوه الى المصالحة معالعرب الذين كانوا من حزب الروم وسلطانهم. وكان الوالي الذي على العرب من حزبالفرس، فاذا كتاب عدوا الله على تلك الحزة يقرا، وابرهيم هذا القسيس، رسول الملكيسطين، يسمع.
وكانرسول صاحب الفرس حاضر، وكانوا رسل اهل العراق من النصارى الارثذكسيين، الخالصينالامانة: سمعان القسيس ويحنا الكاهن، وكان يحنا بن القومس، وريدان وايوب رسلاالنصارى هنالك.
واقبل اسقف منالعراق مخالفا يقال له سيلا ومعه نحوا من خمسين رجلا.
فارادوا ان يجادلوا ويدارسو من كان هناك من النصارىالارثذكسيين خالصين الامانة من الروم وغيرهم من الفريقين، ارادة منهم ان يرضون بذلكالحنفا واليهود، وكانوا يطلبوا الى صاحب السلطان ويسلوه ان يعين صاحب سبا، وان يتبعهواه ويفعل رضاه.
وقالوا له: "نحن قوم من الفرس، قد علمنا ان ملك اليهود واحبارهم قدعلموا انهم انما صلبوا انسانا وليس اله، ونحن قد سمعنا من معلمينا واساقفتناوغيرهم، وكذلك نومن ان المصلوب انسانا تاما، كان قويا ولم يكونالاها".
وكانوا مستهزيين قايلينذلك لجميع الحنفا واليهود واصحاب الاوثان، وكانوا يقولون: "ايمكن ان يكون الاهايولد من امراة، ويخالط دمها ويلفف بالخرق ويجوع ويعطش ويخاف او يعيا اويموت؟".
كما ان يحناوابرهيم واسحق ومن معهم من الروم والفرس فصرخوا: "اتشكون بانه اله يموت، لايقوم؟!"
حينيذ ابرهيم، ومن معه منالروم، واسحق ومن معه من الفرس الذين هم على الامانة المستقيمة، لما سمعوا ذلكخزقوا ثيابهم وبدروا التراب على رووسهم وصاحوا قايلين: "معاذ الله ان يكون دينالروم كما يقول الكافر، ولكن ديننا على تعليم القديسين الابا والانبيا واساسالتلاميذ الرسل الذين هدوا الناس الى دين الله، وليس كما يقولونالسفها.
وان هاولي المخالفين مناتباع تعليم نسطوريوس المخالف المحروم الذي شق الرعية وخرج منها وصار محروم، ملعون،ومن اتبعه من الكنيسة الجامعة الرسولية.
فانهم يترددون ويتنقلون من مكان الى مكان يريدون ان يزيغون من كان عميوليس له علم".فكانمن توفيق الله حين فرغوا **** الله من حوايجهم: ابرهيم واصحابه، التي كانت لهم عندالنعمان بن المنذر صاحب العرب، واخذوا جواب كتبهم، انصرفوا حتى وصلوا ودخلوا علىيسطين ملك الروم، محب المسيح، فاخبروه بكل شي كان، وبالذي سمعوا وحضروا من فعل عدوالله صاحب سبا واخبروه بالذي هو عليه منالقوة.
فلما سمعذلك الملك، اشتد عليه ذلك جدا وكتب من يومه الى طيماثاوس، بطريرك الاكسندرية، يامرهويساله ان يكتب الى الاسباب ملك الحبشة النجاشي يحثه لكيما ان يخرج بجيوشه الىالخبيث صاحب سبا فيهلكه ولكل ملكه.
وكتب يسطين ايضا الى الاسباس، محب المسيح، يقول له في كتابه: "قد عرفتياخي نصرانيتك الصالحة ودينك الحسن الحق، وقد بلغني ان المنافق الذي على ارض سباوجد منك خلوة فغار على كل نصراني بارض سبا والحبشة والروم والفرس فقتلهم منجل انهملم يكفروا بالمسيح ربنا، وانه قد اخرب نجران، المدينة الصالحة، وقتل من قدر عليه مناهلها.
وبلغني انه كتب الى ملكفارس والى النعمان بن المنذر، صاحب العرب، ان يفعلان ذلك بمن كان تحت ايديهم منالنصارى".
وانااسلك واناشدك بالاب والابن وروح القدس، الطبيعة الواحدة، الاله الواحد القوي، انتخرج بعون الله وعون ملايكته القديسين، اما في البر واما في البحر الى الخبيثالمنافق النجس عابر الناموس فتهلكه عن جديدالارض".
وتكونتعلم الان ياخي ان انت اتكاسلت عن ذلك ان اله السما سايرجز عليك وعلى ملكك، وانافلا بد لي، ان انت لم تخرج، ان اخرج بالامم الذين يقال لهم فنطق وبرنيفس وبلمنونوبادون وجيوش اخر كثيرة حتى اغزوا الخبيث، فاذا مروا بارضك ابادوها واخربوها، ثمامر بك فاخربك واهلك وارضك واهلها من قبل ان اتي اليه لان الطريق في بلدك اذا مررتاليه".
"ثم انياصير اليه ان شا الله، بعون الله ونصره، فاهلكه مع جميع ملكه، بعون ربنا يسوعالمسيح، مثل فرعون الاول بقساوة قلبه بعد البلايا الكثيرة حيث كان يلحق بني اسرايلفاغرقه الله في البحر الاحمر، وهذا الان جهاد فرعون الثاني لانه صنع بشعب المسيحاشر مما صنع فرعون الاول، وحيث كتب الى كل بلاد ومكان يريد هلاكالنصارى.
ولكن ارجو ان قد وقع فيالحفرة التي حفر كما قال في الكتاب ان الله يخلص المومنين من الموت ويحتبس الكفارليوم العذاب".
ففيابرلس، شهر الروم، جمع بطريرك الاكسندرية كل نصاراها وارسل الى رهبان البرية وجمعهمفي كنيسة مار مرقس، الرسول المبشر، فصلوا كلهم وسهروا ليلتهم، حتى اذا اصبحوا صنعقربان فتقربوا جميع الناس وتضرعوا الى الله ليقبل منهم ما اجتمعوا يسلوهاياه.
ثم ان طيماثاوس البطريرك اخذبقية القربان فجعله في انا من فضة وبعث به مع اناس من الكهنة الى الاسباس، النجاشيملك الحبشة، محب المسيح، وبعث اليه كتاب فيه عظة وكلام حسن يامره ان يغزو المنافقالخبيث - كما فعل صمويل بشاول الملك حيث بعثه الى عماليق، وامره ان يلعنه ويلعنملكه ويحرق ارضه - وكما امر صمويل بشاول ايضا ان يفعلبعماليق.
فلماذهبوا الرسل اليه وجدوا مختار الله، الاسباس، قد تهيا للخروج اليه قبل ان ياتيهكتاب من احد، وكان قد جمع ماية الف وعشرين الف مقاتل.
وقد كان انطلق رجل من اهل نجران الى الاسباس ملك الحبشة،وكان الرجل من اهل بيت الحارث، الشاهد القديس، وكان اسم الرجل حيار بن القيض،فاخبروه بما كان صنيع عدوا الله بنجران.
وكان من توفيق الله انه دخل ارض الحبشة سفن التجار منالروم والفرس والهند ومن جزاير، ستين سفينة فرسان، ومن ايلة خمسة عشر، ومن القلزمعشرين، ومن يوطابس سبعة سفن، ومن برنيقيوس ثلثين سفينة، ومن فاران سبعةسفن.
فاجتمعوا في مينا يقال لهعبرا من كورة ادبين، وامر بهن الملك ان يجمعن ويرفعن حتى صنع سبعينسفينة.
ثم انه بعث في البرية خمسة عشر الف مقاتل من السودانوامرهم ان يستعدون في مكان من ارض سبا حتى اذا جات السفن تكون غربي الخبيث وهمشرقيه.
فساروا السودان خمسة عشرمرحلة فقطع بهم الما، واقاموا سبعة ايام ولم يشربوا ما فهلكوا من اخرهم، ولم يبلغواحيث كانو ارسلو، ولا رجعو من حيث جاو.
فلما كان يوم العنصرة عبا الاسباس جيوشه، حين اراد الخروج،واعرض المقاتلة واعطاهم ارزاقهم.
ثم انه جا الى الكنيسة التي يقبر فيها ملوك الحبشة واساقفتهم، فقام فيالاسطوان الذي قدام الكنيسة فخلع ثيابه وشكل ملكه الحسن كله وجميع ما كان للملوكعادة ان يتجملون به، ثم لبس ثياب دون ودخل الى الكنيسة فتعلق بقرون المذبح، ورفعنظره الى السما وصلا وتضرع الى الله وقال: "اللهم رب كل شي، وخالق كل شي، ما يرىوما لا يرى، لك تسبح الآلاف والربوات من الملايكة.
السارفين والشاروبين لك يمجدون ويقولون بافواه لا تصمت: قدوس قدوس قدوس انت يا رب الصباوت، قدوس القديسين واله الالهة، ورب الارباب، وملكالملوك، اب ربنا يسوع المسيح، لابس النور، الغالبالناصر".
انتسررت ببعثه، ابنك وكلمتك الذي من طبيعتك، لتهدي الانسان الضال: الشاة التي ضلت منعدد الماية، الشاة الواحدة.
هوالذي نزل من السما كما شا، ولم يفارق السما، وتجسد من روح القدس ومن مريم العذراوصار بشرا، وصنع خلاص لبني ادم وانارنا من الظلمة لنعرفك يا اله اباينا مع كلمتكوروح قدسك.
والان كمثل هذا اليومالارض الكافرة قتلت ام مع اولادها ايضا، وكهنتك الطاهرين ذبحوا مثل الغنم، وعلى اسمابنك الوحيد ذبحوا على قرون المذبح، وقبلتهم بخوروقربان".
"اللهماله السما والارض، فاني بامانة بك وعونك انطلق واناصب عدوك، وبصليب مسيحك انتصر،فلا تخزيني من رجاي لكيما لا يقولون الذين لا يعرفون اسمك: اينالاههم؟
فان كانت كثرة خطاياييردان صلاتي ويمنعوها ان تقبل مني فاقتلني انت يا رب في مكاني هذا بين يديك، ولاتسلم انفس ميراثك بيدي الكافر ومن معه، الكفار الذين يجدفون على اسمك، لانا نحنامتك وغنم رعيتك، ولك نعبد ونسبح الى الدهرالداهرين".
حينيذاخرج رجال من مدينته واجتمع اليه ثلاثة عشر الفمقاتل.
وانالاسباس، محب المسيح، سمع ان راهب صالح من **** الله المختارين، فانطلق اليه واخذمعه نفر من اصحابه وابدل شكل ملكه.
وكان الراهب محبوسا في صومعة صغيرة، طولها خمسة اذرع، وعرضها ذراعين،وليس فيها باب ولا كوة الا ثقب في اسفلها.
وكان قايما على رجليه منذ خمسة واربعين سنة، ولم يكن احد يراه، ولا هوكان يرى احد.
فقال له من ذلكالثقب: "يابونا، صلي علينا ليخلصنا الله في طريقنا، ويعيننا على مااستعناه".
فقال الراهب: "يكون الربمعك، وهو الذي يملك الملوك ولكن انزع الغش لكيما ينزع منك".
فقال له الملك: "ومن نحن يابونا؟".
فقال له الراهب: "لا تعود تسلنيشيا".
وكان الملكقد اراد ان يعطيه سبعة اقرصة من بخور، في كل قرص منها عشرةدنانير.
حينيذ علم الملك ان الراهبانما اعنا الدنانير حين قال له: انزع الغش وينزع منك.
وقال الملك ايضا: "صلي علييابونا".
فقال له الراهب: "صلاةطيماثاوس راس رعية الاكسندرية، ودموع ملك الروم، وذبيحة الشهدا الطيبة الريح، قدوضعن جميعا على مذبح الله الذي في السما".
حينيذ صلا عليه الراهب ورجع الملك إلىمكانه.
وامر الناسان يتزودون معهم زاد لعشرين ليلة فقط. وبلغه ان الجيشة الخمسة عشذ الف، السودانالذي كان بعث في البر، قد هلكوا جميع، فعلم انه لا يستطيع يقاتل في البر، حينيذ خرجفي البحر بسفنه ومتوكلا على ربه
فحين بلغ ذلك الملك اليهودي الخبيث، احتال كما يظن نفسهانه الصادقة، وانه صنع سلسلة من حديد عظيمة فيها خمسين عروة، وزن كل عروة مايةوثمنين رطلا، وجعل في تلك العرا خشب من نخل الدوم، ثم جا بها الى مكان من البحريقال له المضيق بين ارض الحبشة وارض سبا، ثم بسطها في ذلك المكان من الجزيرة الىالجزيرة، والزق السلسلة بالعري واسقاها رصاص كثير، وكانت الخشب حيث كان الما يحملالسلسلة، وكان عرض المكان مقدار ثلثة اميال.
وان عدو الله اقبل في جيوشه الى المكان الذي كان وعدهالاسباس يلقاه في البحر، واقبل الاسباس بسفنه حتى دنوا من المضيق، ولم يعلموابالسلسلة، فجاءت سفينة لتجوز، فاحب الله تبارك وتعالا ورفعها الموج فجازت السفينةولم تصاب بشي وسلمت، ثم تبعها تسعة اخر فجزن بين خشب الدوم، وكانت الامواج ترفعالسفن عن السلسلة، ولم يصاب منهن شي وسلمن، واحب الله وقام في البحر موجا شديداعظيما فلم يزال يضرب تلك السلسلة حتى قطعها، فبطلت حيلةالملعون.
ثم جازت عشرة سفناخرى، فسرن جميع العشرين سفينة حتى ارسين بحذا عسكر المنافق، فكانت منه على خمسةعشر ميلا. فبعث اللعين بحذا السفن ثلثين الف مقاتل على خيلهم متسلحين، ليس يرىمنهم شي الا الحدق، وامرهم ان يدخلون بخيلهم في الما بحذا السفن حتى يكون الما منقوايم الخيل الى الركب، وكذلك فعلوا. وردت الريح الحبشة الى وراهم قدر ثلثة اميالفي البحر.
فبعد ثلثة اياماقبلت اربعين سفينة اخر فكانت من عسكر العدوا على مقدار ثلثة مراحل. ومكث ملكالحبشة في تلك السفن العشرين في مكان اخر. فظن الخبيث ان ملك الحبشة في الاربعينسفينة، فاخذ جيوشه وانطلق اليها ووقف بحذاها، واقبلوا السفن كلهم حتى ارسين،وبعث اللعين ايضا الى السفن الاخر مقاتلة ايضا فكان بحذا كل مجمع سفن خيل واقفة فيالبحر، الما منها الى الركب.
فمن كان في السفن قد اذاه الجوع والعطش، ومن كان في البر كان الحريوذيه النهار اجمع، ولكن الخبيث احتال وصنع مظالا ورفعها على الرماح، وكانتالجمال تحملها فتظلل على الخيل. فلما راوا ذلك الذين كانوا في السفن، جشت انفسهموقالوا: "هذه الجبال قد سخرت وهي تمشي"، وتخوفوا ان يخرجوا من السفن الىالقتال.
وان ملك سبا اللعينبعث نسيب له في عشرين الف من الجيش الى العشرين سفينة التي كانت على الساحل، وكانفيها ملك الحبشة. وظن خصي كان لنسيب الملك اللعين انه انما ذهب ليعرض الخيل،فاتبعه واخذ معه خمس جامات مفصصة بالياقوت والزمرد وحملهم بغفلهم، حتى بلغوا بحذاالسفن فوجدوا القوم مستعدين.
فاوقف نسيب المنافق خيله بحذا السفن كمثل الاخر، ثم انطلق هو وخصيه ذلكوثلثة من غلمانه الى بطن الجبل الذي كان يليهم. وكان غلمان لملك الحبشة قد خرجواعلى رمث لهم، من الجوع والعطش، الى البر يلتمسون شي ياكلوه، فاذا هم بنسيب ملكسبا فاخذوه، وقتلوا اصحابه، وحملوه على رمثهم ودخلوا به على الاسباس ملك الحبشةوهو في السفينة، فسايله الاسباس عن كل ما يريد، وانذر حينيذ ملك الحبشة الخمسةجامات لله.
ثم خرج حينيذ ملك الحبشة، الاسباس، ومن معه من السفن الى القواربفساروا الى ساحل البحر، على الشط، فنزلوا في الما، وكانت الخيل بحذاهم ايضا فيالما، فتواقع القوم فنصر الله عبده الاسباس ملك الحبشة على الكفار، اعدا الله،فقتلهم حتى لم يبقى منهم احدا. فبلغ ذلك المنافق ملك سبا وهو بحذا السفنالاخر.
وان الاسباس اخذ نسيبالملك مربوطا حتى انطلق به في طريق اخرى حتى انتهوا الى مدينة الملك اللعين التيتدعا طافرون وانه استحوذ عليها، ثم اخذ نسا اللعين المنافق، ونسيبه ذلك الذياخذه، وكانوا يدلوه على كل شي حتى اخذ كل اموالهم.
فاما من كان في السفن اصابهم جوع شديد وعطش فمات منهمخمسماية رجل ولم يعلمون ماذا فعل ملكهم بعد. فعند ذلك تشاوروا الريسا فيما بينهموقالوا: "اما نحن فليس نستطيع نرجع الى ارضنا، وها هنا الجوع والعطش قداهلكنا! وما ندري ما فعل ملكنا! فان نحن متنا من الجوع والعطش فنحن نجعلالنصرانية ضحكة لليهود! ولكن تعالوا ندعوا الى ربنا ان يعيننا في القتال وينصرناعلى هذا العدوا الخبيث".
ثمانهم جمعوا سفنهم والزقوها بعضها الى بعض وربطوها بالحبال والاجداف وكل عود فيهمحتى صاروا مثل مدينة، ولم تكون واحدة منهم تتحرك. ثم ظللوا عليهم بالقلوع، وجاوابالبواصي فالزقوهم بعضهم الى بعض وصفوهم صفا واحدا، وجعلوهم كمثل الحايط فكانوابينهم وبين العدوا. ثم صلوا الى الله وتضرعوا اليه، الى الرب الرحوم القريبالرحمة، وذبحوا له ذبيحة روحانية وتقربوا قربان جسد المسيحالحق.
ثم نزلوا من السفنمستعجلين في البواصي، وكانوا النواتية، بين يديهم يدفعون السناديل فكانت مثلالحايط بين الحبشة وبين المنافقين. وقبل ذلك بيومين سمع اليهودي ملك سبا انالاسباس ملك الحبشة قد دخل مدينته وحاز الاهل والاموال، ففزع ان يخبر اصحابهوانسباه بما كان من امر الملك، ملك الحبشة، فيسلموه. وكان معه سبعة من اقرباه،فامرهم ان يربطوا وربطوه هو ايضا بسلاسل من حديد. وكان قاعد في رواقه على سرير منذهب وهم على سبعة كراسي من ذهب.
وكان المقاتلة يثقبون السناديل برماحهم، والحبشة من الجانب الاخر قدضيق عليهم في الما، فبكوا وصاحوا الى الله ربهم بصوت عالي وتضرعوا اليه واستغاثوهبه، فجاهم صوت من السما سمعوه كلهم من اخرهم وهو يقول: "جبريل جبريل جبريل".حينيذ خرج راهب من الحبشة ومعه عصا حديد وفي راسها صليب وفي اسفلها مثل راس الرمح،فطلع من بين سندالين فتناول بذنب فرس بيده اليسرى ثم بعج بطنه باسفل عصاته حتىواراها في بطن الفرس. عند ذلك ارتكض وصرخ فارسه ففزعوا جميع اصحابه، وفروا هاربينمنهزمين.
وتبعوهم الحبشةفقتلوهم من اخرهم حتى انتهوا الى رواق الملك، فوجدوه ومعه انسباه مربطينبالسلاسل، فاخذوهم. وكان في ذلك اليوم نصر من اللهعظيما.
فبلغ ذلك الاسباس الملكفاقبل حتى اخذ الخبيث ورهطه السبعة الذين كانوا معه. ثم ان الاسباس بنا في موضعهمذبحا وذبح فيه الخبيث ملك اليهود، وقرب دمه لله وقتل قرابته السبعة. ثم اخذ بقيةاصحابه وعساكره وانصرف الى مدينة المنافق سبا، فاخربها واحرقها بالنار، ولم يتركفيها حمار ولا طير ولا بهيمة الا قتله، فضلا عن الناس، وقرب كل شي كان في بلاطهلله. ومن تبقا من القتل من ريسا سبا استغاثوا بالملك وتنصروا
تأسيس مملكة مسيحية في جنوب الجزيرةالعربية
حينيذ، الاسباس الملك ابتدا فحفر بيده فيالارض عند بلاط الملك ستين يوما، ثم انه اسس فيه كنيسة لله، وبعث الى بطريركالاكسندرية طيماثاوس وكتب ايضا الى يسطين فاعلمهم بالذي كان من نصر اللهوعونه.
فبعث اليه طيماثاوس اسقف من قبله كان عبدا للهصالحا، فصنعه الاسباس على ارض سبا كلها. ثم انه قدس تلك الكنايس التي بناهاالملك، واعمد كل من كان بارض سبا بسم الاب والابن وروح القدس، ونصرهم كلهم، وصنعفي كل مدينة قسيسين وشمامسة ورهبان.
ثم انطلق الاسباس،ملك الحبشة، والاسقف معه حتى جاوا الى نجران، المدينة، فبناها وجدد كنايسها،وبنا في المكان الذي قتلوا فيه الشهدا كنيسة وحصنها، وصير بن الحارث ريس على البلدكله كما كان ابوه، ووهب الملك لكنيسة نجران خمسة مزارع من الملك، وثلثة من مالالحارث القديس كما كان اوصا عند قتله وشهادته.
ثم انصرفالملك بفرح عظيم الى مدينة سبا وجعل عليهم ملك، رجل صالح يقال له ابرهيم، وديعرزين تقي خالص الدين، ودفع اليه الاسقف وعشرة الف فارس من نصارىالحبشة.
نهايه
ثم انصرف الاسباس، ملك الحبشة،الى ارضه وملكه بذلك الفرح والنصر من المسيح، واخذ معه بزة كثيرة وغنا عظيم. فلماانتها الى بلاده، قال الاسباس محب المسيح: "ايش اكافي ربي بدل هذا كله الذي صنعالي الان؟ اكافي ربي واقرب له نفسي وجسدي".
ثم انهترك ملكه وغناه ودنياه وخرج في جوف الليل وحده على رجليه حتى انتهى الى دير كان فيراس الجبل، وكان في ذلك الجبل رهبان طيبيين. فدخل الملك الى ذلك الدير الذي فيراس الجبل، وصار في صومعة وسدها عليه، وجعل على نفسه الا يخرج منها حتى يموتفيها.
ولم ياخذ معه شيئا الا مصاحفه، وكوز، وملافنه،وثيابه التي كانت على جسده، يلبسها للرهبانية. وكان طعامه ايام حياته شي يسير منالخبز اليابس وملح جريش، وشربه الما. ولم يكلم في رهبانيته علماني، ولا نظر الىوجه احد حتى تنيح.
وكان قد بعث بتاجه، الذي كان يلبسعلى راسه، الى بيت المقدس، انذره لله. وكان تاجه ذلك من ذهب مفصص بالياقوتوالزمرد.
وكتب الى يحنا اسقف بيت المقدس يناشده باللهان يعلق ذلك التاج على باب المقبرة معطية الحياة، من حيث خرج بدو القيامة واولالحياة، الذي اورا ربنا يسوع المسيح بن الله الحي الذي قام في ذلك المكان منالموت، له التسبحة للابد. امين.
استشهاد القديس حارث بن كعب ورفقائه في مدينة نجران
حققها وقدم لها الأب حارث إبراهيم.
من منشورات جامعة البلمند، الطبعة الأولى، نيسان 2007 بيروت، مطبعةتيبو برس.
!رواية من روايات عدة كتبت عن الأخدود وأهل الأخدود عليهم السلام، وقدمتها لكم كما جاءت في الكتاب إملائيا ولغويا.
مؤلفهامسيحي وقد كتبها استنادا على معتقده الذي له مطلق الحرية فيه، إلا أن ذلك لا يعنيأننا نشاطره الإيمان نفسه فإيماننا بشهداء الأخدود عليهم السلام أنهم مؤمنون باللهربا وبسيدنا المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام نبيا.